تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والامة المسلمة في حاضرها الراهن ـ وهي في بداية صحوتها ـ قد تكالبت قوى الكفر عليها، وتجمع أعداء الانسانية ضدها، وأجلبوا عليها بخيلهم ورجلهم وعَددهم (32) وعُددهم.

الامة المسلمة محتاجة لجهود أبنائها، فلا يحل لاي فرد منهم أن يضيع جهوده عبثا فيما لا طائل تحته، فضلاً عن أن يكون ظهيرا لاعدائها يصنع لهم ما يعود علىأبناء ملته بالدمار والخسار، ويعطل مسيرة امته نحو استعادة مكانتها التي أرادها لها الله ... خير امة اخرجت للناس.

هذه المرحلة ـ مرحلة اختيارالكتاب المراد إحياؤه ـ أخطر مراحل التحقيق ـ فيما أرى ـ وأدقها، تستدعي من المحقق المسلم النظر الفاحص، ودقة الملاحظة، والوجدان الحي، والغيرة البالغة ... لان ما ورثناه من الكتب منه ما كتبه المخلصون العارفون، وهو درر خالدة كشجرة طيبة أصلها ثابت في دين هذه الامة ووجدانها ... وفرعها في السماء متصل بالمبدأ الاعلى صاحب الجود والفيض والكرم ... تؤتي أكلها كل حين في ماضي الامة وحاضرها ومستقبلها عطاء ربانيا لا ينقطع بإذن الله تعالى، وأظهر أمثلة هذا النوع تراث أهل بيت الرحمة عليهم السلام وجدهم الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله.

ومما ورثناه ـ أيضا ـ ما كتبه المنحرفون والظالون وأعداء الاسلام، ممن اجتالته شياطين الانس والجن، وأمراض النفس، ومتع الحياة الدنيئة.

ومما ورثناه ـ كذلك ـ هذا الركام الغث الفاسد المفسد من أدب عبيد السلاطين من الشعراء، وشعرهم الذي قصروه على مدح الطاغوت والضحك على ذقنه، واستولوا به على أموال الامة يتناهبونه بينهم.

انظر إلى الشاعر المتملق يقول وقد حدثت بمصر زلزلة:

بالحاكم العدل أضحى الدين معتلياً * نجل الهدى وسليل السادة الصلحا

ما زلزلت مصر من كيد يراد بها * وإنما رقصت من عدله فرحا

انظر كيف يسقط الانسان، وتداس الضمائر، ويرقص على أشلاء المستضعفين! .. فالشاعر هنا لم يكتف بمدح طاغوته حتى صور الزلزلة المدمرة بصورة الرقص الخليع الذي اعتاده المترفون. ولم يلتفت إلى المستضعفين الذين هدمت دورهم على رؤوسهم وأصبحوا بلا مأوى! ومن هذه البابة تجد مؤرخي السلاطين ووعاظ السلاطين وفقهاء (33) السلاطين ... إلى آخر القائمة المشؤومة. هذا الركام الغثّ لطخة عار في تاريخنا الثقافي .. لا أظن المحقق المسلم ينحط إلى أن يشغل به نفسه ويضيع به عمره. وتراثنا طيب مبارك، شمل مختلف حقول المعرفة، ولم يقتصر على فرع من فروعها.

فكم هي الفائدة التي يسديها المحقق إلى اُمته حين يختار كتابا من طبنا القديم، فيخرجه إلى الناس سليما مفسرا موضحة عبائره! عقاقيره من إنتاج بلادنا ... إن لم تنفع الجسم لم تضره، لا كالادوية المجلوبة من مغرب شمس الفضيلة، التي يصح فيها قول الشاعر:

............................ * وداوني بالتي كانت هي الداء

وفي تراثنا الطيب الكثير، وأود أن يعلم أطباؤنا الفضلاء أن للمعاجم الطبية ـ التي تصف العقاقير وتذكر مقاديرها عند التركيب ـ ركنا كبيرا في مكتبتنا الاسلامية.

وما أظن مريض الطب الغربي الحالي أحسن حالا من مريض الرازي أو ابن سينا. وقد عادت الصين إلى الوخز بالابر ـ طبها القديم ـ تدرسه وتطبقه في المستشفيات. وقبلها الهند أدخلت طبها القديم مادة دراسية في جامعاتها، ومادة تطبيقية في مستشفياتها. وقل مثل ذلك في علوم الفلاحة والبيطرة وغيرها. ونستغني بذلك عن استيراد فسائل النخيل من أمريكا إلى بلاد النخيل! خلاصة الامر أن حسن الاختيار ـ بل الاجتهاد في الاختيار ـ هنا واجب عيني لا رخصة فيه.

* * *

وحين يقع اختيار المحقق على كتاب لم يحقق حسب القواعد المتعارفة، أو كانت لديه زيادة تنقير وتدقيق فاتت المحقق الاول، أو ظهرت من الكتاب نسخ (34) مخطوطة أصيلة تزيد الكتاب ثقة به واطمئنانا إليه واعتمادا عليه ... حينذاك يبدأ سعي المحقق في تجميع النسخ، وهي ـ في الوقت الحاضر ـ مصورات كلما ازدادت وضوحا في التصوير ازدادت شبها بأصلها، وحلت محله في القراءة وتهيئة النسخة للعمل (1).

وهنا تظهر فائدة فهارس المخطوطات، لمعرفة أماكن هذه النسخ والسعي في الحصول على مصوراتها.

ولا ننسى الاستعانة بذوي الخبرة في الهداية إلى مظانها وتقييمها، وفي إعانتهم للمحقق في تحصيلها بما لهم من صلات مع أصحاب الكتب والقائمين عليها.

* * *

فحص النسخ وتقييمها:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير