تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهنا يأتي دور فحص النسخ لاعتماد مايجب الاعتماد عليه منها وإهمال ما ينبغي إهماله. وهذا الدور من أهم أدوار هذا الفن، لان نتيجة التحقيق وثمرة جهد المحقق مبنيتان عليه. وقد اعتورت مخطوطاتنا ظروف كانت حسنة حينا سيئة أحيانا كثيرة. وتداولتها ـ بعد أيدي النساخ ـ أيد كانت في الغالب غير أمينة:

فمن متولي وقف حسن له الشيطان وألجأه فقر المجتمع المتخلف إلى بيع ما تحت يده، فمزق الورقة الاولى ليضيع أثر الوقف، ففوت علينا معرفة عنوان الكتاب واسم مؤلفه وفوائد اخر.

ومن متعصب ضيق الافق ساءه أن يرى لعالم من غير أهل نحلته أثرا، فعدا عليه تمزيقا أو شطبا أو محوا أو تحريفا لما لا يروقه ...

ومن وارث جاهل صار ما وصل من ذخيرة الامة إليه لعبة لاُطفاله، مبذولاً لكل من هب ودبّ من معارفه.

ومن. . ومن. .


(1) قلنا هذا، لاُنّ اختبار الورق والحبر لا يمكن إلاّ على المخطوطة نفسها. (35) دع عنك عاديات الطبيعة في النسخ نفسه من سهو وسبق قلم أو نظر .. وعاديات الطبيعة على الكتاب نفسه ـ ورقا وحبرا ـ من رطوبة وحشرات لها بالورق المكتوب ولع غريب. وليس معنى هذا إنكار ما لبعض الايدي ـ متولية وقف أو وارثة ـ من الامانة والحيطة على الكتاب. وليس هو كذلك إنكار فضل اولئك النساخ العارفين الضابطين، فأنت تقرأ في ترجمة ياقوت المستعصمي ـ الخطاط المعروف ـ أنه كان مولعا بنسخ نهج البلاغة بخطه المضبوط الجميل. وتقرأ في تراجم كثير من العلماء أنه كان يكتب خطا فصيحاً صحيحاً. هذه النوائب التي حلت بالكتاب ـ وغيرها كثير ـ توجب على المحقق أن يكون مدققاً منقباً حذرا، ينفض النسخة وجها لبطن، عند فحصه لها.

وليعلم أن للنسخ التي وصلت إلينا حالات غريبة منها:
1 ـ أن تكون النسخة كاملة سالمة واضحة الخطّ فصيحته جميلته، بخط مؤلفها أو خط معتمد موثوق به، أو تكون منقوطة مشكولة شكلاً كاملاً على الصحة، أو تحتوي ـ من الصور أو الرسوم البيانية أو غير ذلك ـ ما يضن به على الضياع. فالأَولى طباعة هذه النسخة بالتصوير، كي لا ندخل عليها من سهو القلم وأخطاء التطبيع ما يشوه جمالها ويذهب بصحتها. ولا يعتذرن ـ هنا ـ بصعوبة الحرف المخطوط، فأنه أمر مبالغ فيه، والمطلعون يعلمون أن في تراثنا مخطوطات رائعة الجمال تزري بالخط الطباعي مهما بلغ من الجمال والنظافة، لان الخط الطباعي خط ميت سطرته آلة ميتة، وخط اليد يستمد حياته من اليد التي كتبته.
والعمل الذي يقوم به المحقق في هذه النسخة:
أ ـ أن يقدم لها مقدمة وافية في ترجمة المؤلف ووصف النسخة وتوثيق نسبتها وبيان أهميتها ...
ب ـ أن يذيّلها بهوامش التحقيق الكافية، وبالفهارس التي توصل القارىء إلى (36) مطالبها (1).
2 ـ أن تكون النسخة من المطبوعات القديمة التي ضاعت اُصولها المخطوطة، وهذه ينبغي الحذر عند تحقيقها والتثبت البالغ، وأن يوكل أمرها إلى شيوخ المحققين.
3 ـ المترجمات إلى اللغات الاخرى ـ غير العربية ـ التي ضاعت اصولها المخطوطة، والعمل في هذا النوع ملقى على عاتق المترجم العارف، ويجدر به أن يستعين في ترجمتها بما سلم من كتب الؤلف باللغة العربية، وبما نقل من نصوص الكتاب في الكتب الاخرى.
وبعد هذه العجالة ـ التي لا يتسع المقام لاكثر منها ـ نعود إلى التقسيم الاعتيادي للنسخ، وهو أمر متفق عليه ـ أو يكاد ـ بين جمهرة المشتغلين بهذا الفن.
وعندهم أن أعلى النسخ هي النسخة التي كتبها المؤلف في آخر صورة أخرج بها كتابه للناس.
أو كتبت بخط معتمد وقرأها المصنف أو قرئت عليه وسجلت عليها هذه القراءة.
أو نسخة كتبت من نسخة المصنّف وعورضت بها أو قوبلت عليها.
أو نسخة كتبت في عصر المصنف وعليها سماعات العلماء.
أو تكون النسخة من النسخ التي حظيت باهتمام العلماء بالقراءة أو الاجازة أو السماع، وأن يكون فيها ما يدل على التصحيح.
هذه النسخ تقوم إحداها مقام الاخرى عند فقدانها، وهي النسخة التي يعبرون عنها بالاصل أو الام.
وهذا القول ليس على إطلاقه فان لكل نسخة من الخصائص ما يضطر المحقق إلى اعتمادها أو تركها، فرب نسخة لم يشفع لها قدمها أو حسن خطها أو كتابة عالم معروف لها. ورب نسخة تقدمت على نسخة أقدم منها أو أحسن خطا.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير