تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

النوع الثاني من الحفظ وهو أشرف النوعين: حفظ الله للعبد في دينه وإيمانه؛ فيحفظه في حياته من الشبهات المضّلة ومن الشهوات المحّرمة، ويحفظه عند موته فيتوفاه علي الأيمان.

* وقوله صلي الله عليه وسلم "أحفظ الله تجده تجاهك" معناه أن من حفظ حدود الله وراعي حقوقه وجد الله معه في كل أحواله حيث يتوجه يحوطه وينصره ويّوفقه ويُسدّده "إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ" قال قتاده:" من يتقي الله يكن معه، ومن يكن الله معه فمعه الفئة التي لا تُغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل". بل كتب بعض السلف إلي أخ له فقال:" أما بعد، فإن كان الله معك فمن تخاف؟؟ وإن كان عليك فمن ترجو؟؟؟

* قوله صلي الله عليه وسلم "إذا سألت فأسأل الله، وإذا استعنت فأستعن بالله" هذا مُقتبسٌ من قوله تعالي "إياك نعبد وإياك نستعين" فإن السؤال هو دعاؤه والرغبة إليه، والدعاء هو العبادة كما في الحديث الصحيح عن النعمان بن بشير رضي الله عنه برقم (3407) في صحيح الجامع. فتضمن هذا الكلام أن يُسأل الله عز وجل وحده ولا يُسأل غيره، وأن يُستعان بالله دون غيره.

وقال صلي الله عليه وسلم:" من لم يسأل الله يغضب عليه" صحيح، أنظر صحيح الجامع (2418)، وفي النهي عن مسألة المخلوقين أحاديث كثيرة صحيحة، وقد بايع النبي صلي الله عليه وسلم جماعة من أصحابه علي أن لا يسألوا الناس شيئاً ومنهم: أبو بكر وأبو ذر وثوبان رضي الله عنهم أجمعين، وكان أحدهم يسقط السوط منه وهو علي نآقته فلا يسأل أحد أن يناوله إياه.

وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلي الله عليه وسلم:"فَإِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفُ اللَّيْلِ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا جَلَّ وَعَزَّ فَقَالَ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأُجِيبَهُ "

وأعلم أن سؤال الله عز وجل دون خلقه هو المُتعيّن، لأن السؤال فيه إظهار الذل من السائل والمسكنة والحاجة والافتقار، وفيه الاعتراف بقدرة المسئول علي رفع هذا الضر ونيل المطلوب وجلب المنافع ودرء المضآر، ولا يصلح الذل والافتقار إلا لله وحده العزيز الغفار لأنه حقيقة العبادة، وكان الإمام أحمد بن حنبل يدعو ويقول:" اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك فصنه عن المسألة لغيرك؛ ولا يقدر علي كشف الضر وجلب النفع سواك ".

فأعلم أن الله سبحانه يُحب أن يُسأل، والمخلوق يكره أن يُسأل، ولهذا قال وهب بن مُنبه لرجل كان يأتي الملوك:" ويحك تأتي من يُغلق عنك بابه ويُظهر لك فقره ويُواري عنك غناه، وتدع من يفتح لك بابه نصف الليل ونصف النهار، ويُظهر لك غناه، ويقول ادعني أستجب لك؟؟

وقال طاووس لعطاء: إياك أن تطلب حوائجك إلي من أغلق دونك بابه ويجعل دونها حجابه، وعليك بمن بابه مفتوح إلي يوم القيامة أمرك أن تسأله، ووعدك أن يُجيبك.

وأما الاستعانة بالله عز وجل دون غيره من الخلق، فلأن العبد عاجز عن جلب مصالحه ودفع مضآره، ولا مُعين له علي مصالح دينه ودنياه إلا الله عز وجل، فمن أعانه فهو المُعان ومن خذله فهو المخذول، وهذا تحيق قول لا حول ولا قوة إلا بالله، فإن المعني لا تحوّل للعبد من حال إلي حال ولا قوة له علي ذلك إلا بالله، وهذه الكلمة هي كنز من كنوز الجنة، فالعبد مُحتاج إلي الاستعانة بالله في فعل المأمورات وترك المحظورات والصبر علي المقدورات كلها في الدنيا وعند الموت وبعده من أهوال البرزخ ويوم القيامة، ولا يقدر علي الإعانة علي ذلك إلا الله عز وجل، فمن حقق الاستعانة عليه في ذلك كله أعانه.قال بعض السلف:" يارب عجبت لمن يعرفك كيف يرجو غيرك، وعجبت لمن يعرفك كيف يستعين بغيرك.

* قوله صلي الله عليه وسلم "رُفعت الأقلام وجفت الصحف" هو كناية عن تقدم كتابة المقادير كلها والفراغ منها من أمد بعيد، فإن مقادير الخلائق قد كُتبت قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، كما في صحيح مسلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير