والأحاديث الثلاثة وما جاء في معناها تدل على أن جلود الميتة تباح وتطهر بالدباغ كجلد الإبل والبقر والغنم وأشباهها مما يؤكل لحمه. إذا ماتت ودبغت طهرت كما هو صريح حديث ابن عباس ((إذا دبغ الإهاب فقد طهر))
قال النووي رحمه الله: (الإهاب جلد ما يؤكل لحمه) ويطلق على غيره جلد وأديم ويقال لجلد ما يؤكل لحمه إهاب، وتطهيره يقال له الدبغ
وجاء في الرواية الثانية ((أيما إهاب دبغ فقد طهر))
وجاء في حديث سلمة ((دباغ جلود الميتة طهورها)) أي تطهيرها
ويجوز طَهورها بالفتح أي أداة تطهيرها يقال للماء الذي يعد للتطهر طهور.
والمعنى أن الدباغ أداة الطهور
أو أنه هو تطهيرها كما يقال وضوء للفعل وطهور للفعل وكذلك الدباغ تطهير لها من آثار النجاسة لأنها تنجس بالموت فيكون الدباغ ذكاة للجلد وطهور له.
وحديث ميمونة كذلك في نفس الموضوع قال ((يطهرها الماء والقرظ)) في حديث ابن عباس عن ميمونة أنه كان عنده داجن قد ماتت فقال (ألا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به)
وهذه الروايات كلها تدل على أن جلود الميتة يطهرها الدباغ وهذه أصح من حديث عبد الله ابن عكيم الذي فيه ((إذا أتاكم كتابي هذا فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب)) رواه أهل السنن و في رواياته:
((قبل أن يموت بشهر)) وفي بعضها أكثرمن ذلك وفي بعضها روى عن أشياخ له.
فهو حديث فيه اضطراب وليس بشيء عند أهل العلم والأحاديث التي ذكرت تدل على ضعفه وعدم صحته فهو حديث ليس بشيء ولو صح لكان محمولا على الإهاب قبل الدبغ فلا ينتفع به وأما بعد الدبغ فليس بمنهيِّ عنه ولكنه حديث ضعيف لأنه مضطرب وليس بشيء عند أهل الحديث وهذه الأحاديث الصحيحة تدل على ضعفه وتؤكد ما فيه من الاضطراب والضعف
ولو فرضنا صحته كما قال أحمد رحمه الله في رواية وذهب إليه فإن هذه الأحاديث تكون مقدمة عليه وهي الأرجح عند من لم يقل بالنسخ
ومن قال بالنسخ فليس ببعيد لأن الأحاديث الصحيحة فيها الدلالة على تطهير الدباغ من جلود الميتة فلا يكون ناسخا لها هو / وإن كان بعض الروايات (قبل موته بشهر) أو كذا فإن هذه الأحاديث أولى بأن تكون ناسخا له لأنها أظهر وأصح وأنفع للأمة وأقرب إلى قواعد الشريعة فتكون أولى والترجيح أقرب إلى هذا لأن مقام التاريخ مجهول فلا يتم العلم بالنسخ إلا بعد أمرين بعد العلم بالتاريخ وتعذر الجمع فالجمع غير متعذر هنا والتاريخ غير محفوظ فالصواب الترجيح
أو الجواب بأن المراد بالإهاب قبل الدبغ أما بعد الدبغ فلا كراهة ولا نجاسة بل هو طاهر
* ثم اختلف أهل العلم رحمة الله عليهم في هذا هل هذا عام في كل الجلود كجلود السباع وغيرها أم هذا خاص بجلود ما يؤكل لحمه كالإبل والبقر والغنم؟
على أقوال، وأحسنها وأظهرها و أقربها أن هذا في جلود ما يؤكل لحمه لأنه إذا مات صار نجسا وحرم علينا فجعل الله الدباغ ذكاة لجلده أما لحمه فقد انتهى صار خبيثا بالموت أما الجلد فقد جعل الله له طهورا بالدباغ لينتفع به من يحتاج إليه من الفقراء وغيرهم رحمة من الله عزوجل
فالناس قد تعظم بهم الحاجة فجعل الله الدباغ طهرة وذكاة للجلد إن احتاج إليه وأحبَّ أن ينتفع به جاز ذلك بعد الدبغ
والصواب أنه يستعمل الإهاب في المائعات واليابسات هذا هو الصواب لأنه طهر وما دام طهر فيستعمل في المياه وغيرها لأنه قد تطهر بالدباغ
وفيه مسألة أخرى فيما يظهر بالدباغ وقيل أنه طاهر في الحياة كالهرة والحمار والبغل على المختار أنه طاهر في الحياة فلا ينفع الدباغ في جلودها وقيل في كل شيء ما عدا الخنزير والكلب وقيل أقوال أخرى معروفة عند أهل العلم
ولكن أقربها هو جلد ما يؤكل لحمه فالدباغ ذكاته كما في الرواية الأخرى من حديث ابن عباس عند أحمد بسند صحيح (فإن الدباغ ذكاته) والذكاة لا يكون إلا لما يؤكل لحمه لا يكون الدباغ ذكاة إلا لما يؤكل لحمه
وإن كان القول بأن الأحاديث عامة قول جيد وقوي، له قوته لعموم الأدلة وأن جميع الجلود تطهر بذلك قول له قوته للعموم ولكن أظهر الأقوال وأقربها للصواب أن هذا في جلد ما يؤكل لحمه وأن الورع يقتضي ترك ما سوى ذلك
...
سؤال عن استعمال الساعات والأقلام الذهبية؟
¥