ثم ذكر الدكتور عبد الكريم، تقسيما آخر، للمحكم، فهو إما أن يكون:
· محكما لعينه، وهو يشمل النوع السابق (أي الذي اقترن بما يدل على نسخه).
· وإما أن يكون محكما لغيره، وهو المحكم لإنقطاع الوحي بموته صلى الله عليه وسلم، والمحكم يأتي في المرتبة الأولى من مراتب واضح الدلالة، ويليه المفسر، ثم النص، ثم الظاهر.
وجدير بالذكر أن الزركشي رحمه الله، قد حكى الخلاف في هذه المسألة على 13 قولا.
مسألة: الإحكام والتشابه العام:
وقد فصل الحسين بن محمد النيسابوري رحمه الله، كما حكاه عنه الزركشي، القول فيها كالتالي:
¨ أولا: وصف الله عز وجل آيات القرآن كلها بأنها محكمة، في مواضع منها قوله تعالى: (كتاب أحكمت آياته). اهـ، أي أتقنت، فيكون معنى الإحكام العام في هذه الآية، الإتقان، الذي يشمل كل آيات القرآن.
¨ ثانيا: وصف الله عز وجل آيات القرآن كلها بأنها متشابهة، في مواضع منها قوله تعالى: (كتابا متشابها). اهـ، أي أنه متشابه في المثلية والإتقان، وهذا هو معنى التشابه العام، فآيات القرآن كلها متشابهة من حيث الإتقان.
¨ ثالثا: وهو أن منه محكما ومنه متشابه، لقوله تعالى: (منه آيات محكمات هن أم الكتاب). اهـ، وعليه حدث الخلاف في تعريف المحكم والمتشابه، إصطلاحا، كما تقدم، وهذا هو التفصيل الذي ارتضاه الشيخ محمد بن عبد المقصود، حفظه الله.
مسألة: القول في تفسير قوله تعالى: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم)، وهل الواو في قوله تعالى: (والراسخون في العلم)، عاطفة، أم إستئنافية؟
رجح ابن قدامة رحمه الله، في روضة الناظر، أن الواو إستئنافية، وقال بأنه الأصح من جهة السياق وقواعد اللغة، لما يلي:
¨ أولا: أنه لو كانت الواو عاطفة، أن يكون السياق كالتالي: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم، ويقولون آمنا به)، وهو خلاف سياق الآية: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به).
¨ ثانيا: أنه لو كان الراسخون في العلم، يعلمون تأويله، لكان إبتغاء التأويل محمودا، ولكن الله عز وجل ذم إبتغاء التأويل في صدر الآية، (فأما الذين في قلوبهم مرض فيتبعون ما تشابه منه)، فوصف متبعي التأويل بأنهم مرضى القلوب، وكذا ذمه الرسول صلى الله عليه وسلم، في حديث عائشة مرفوعا: فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذرهم.
¨ ثالثا: ولأن قولهم: (آمنا به)، يدل على نوع تفويض وتسليم لشيء لم يقفوا على معناه، سيما إذا أتبعوه بقولهم: (كل من عند ربنا) فذكرهم ربهم ها هنا يعطي الثقة به والتسليم لأمره، وأنه صدر من عنده كما جاء من عنده المحكم.
¨ رابعا: ولأن لفظة (أما) لتفصيل المجمل، فذكره لها في الذين في قلوبهم زيغ مع وصفه إياهم بإتباع المتشابه وإبتغاء تأويله يدل على قسم آخر يخالفهم في هذه الصفة وهم الراسخون.
ويقول الدكتور الصباغ: ومما يؤيد أن الواو إستئنافية، لا عاطفة في قوله تعالى (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم)، دلالة الإستقراء في القرآن، ذلك أنه تعالى إذا نفى عن الخلق شيئا وأثبته لنفسه، عز وجل، فقد دل الإستقراء، كما يقول الأستاذ الشنقيطي في "أضواء البيان"، أنه لا يكون له في ذلك الإثبات شريك، كقوله تعالى: (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله).
ويقول الخطابي رحمه الله: لو كانت الواو في قوله تعالى (والراسخون)، للنسق، أي العطف، لم يكن لقوله تعالى: (كل من عند ربنا) فائدة، والمعنى، والله أعلم، كيف يفوضون علم ما علموه؟.
ويقول الشيخ الشنقيطي، رحمه الله، في "أضواء البيان"، بأن القول بأن الوقف تام على قوله تعالى: (إلا الله) وأن قوله تعالى: (والراسخون في العلم) إبتداء كلام، هو قول جمهور العلماء، وممن قال بذلك عمر وابن عباس وعائشة وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز وابن مسعود وأبي بن كعب وغيرهم كثير.
وممن حرر الخلاف في هذه المسألة (مسألة الوقف في قوله تعالى "إلا الله") فأجاد، الشيخ مناع القطان رحمه الله، في "المباحث"، حيث حكى الخلاف في هذه المسألة، فقال ما ملخصه:
¥