¨ أولا: ذهب الجمهور، إلى أن الواو في قوله تعالى: (والراسخون في العلم) للإستئناف، وقد سبق في كلام الشنقيطي رحمه الله.
¨ ثانيا: ذهب بعض العلماء وعلى رأسهم مجاهد، رحمه الله، إلى أن الواو عاطفة، فقد روي عنه أنه قال: عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته، أقفه عند كل آية وأسأله عن تفسيرها، واختار هذا القول النووي رحمه الله، فقال في شرح مسلم: إنه الأصح لأنه يبعد أن يخاطب الله عباده بما لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفته، والرد على كلام النووي رحمه الله: أن لله عز وجل أن يمتحن خلقه بما شاء، فلا مانع أن يمتحنهم بالإيمان بما لا يعلمون معناه، ولا أدل على ذلك من الحروف المقطعة، في أوائل السور، فالجمهور على أنها مما استأثر الله عز وجل بعلمه.
ثم حرر، رحمه الله، الخلاف في هذه المسألة بناء على تعريف التأويل، فقد اختلف العلماء في تعريفه، على 3 أقوال:
¨ أولا: صرف اللفظ عن الإحتمال الراجح إلى الإحتمال المرجوح لدليل يقترن به، وهذا هو إصطلاح أكثر المتأخرين.
¨ ثانيا: التفسير، وهذا ما يكثر الطبري، رحمه الله، من إستخدامه في تفسيره.
¨ ثالثا: هو الحقيقة التي يؤول إليها الكلام، فتأويل ما أخبر الله به عن ذاته وصفاته هو حقيقة ذاته المقدسة وما لها من حقائق الصفات، وتأويل ما أخبر الله به عن اليوم الآخر هو نفس ما يكون في اليوم الآخر، ومن أبرز الأمثلة على هذا المعنى:
· قوله تعالى: (هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا)، فالتأويل في هذه الآية هو وقوع المخبر به، وهو يوم القيامة، وساعتها يندم مكذبوا الرسل ويسألون الشفاعة، ويتمنون الرجوع إلى الدنيا ليستكثروا من الصالحات، ولكن هيهات.
· قوله تعالى: (وقال يأبت هذا تأويل رءياي)، فيوسف صلى الله عليه وسلم، قال هذا بعد وقوع الرؤيا التي حكاها لأبيه في أول السورة.
ويشمل التأويل بهذا المعنى، أيضا الإمتثال، بالفعل إن كان أمرا، والترك إن كان نهيا، ومن ذلك قول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي" يتأول القرآن، تعني قوله تعالى: (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا)، فرسول الله صلى الله عليه وسلم، امتثل بفعل ما أمر به.
وبناءا على ما سبق، يجمع بين القولين، كالتالي:
¨ أولا: من قال بأن الواو للإستئناف، إنما عنى بذلك، المعنى الثالث للتأويل، وهو حقيقة الأمر المخبر به، لأنه غيب لا يعلمه إلا الله.
¨ ثانيا: ومن قال بأن الواو للعطف، فأدخل الراسخين في العلم، إنما عنى المعنى الثاني، وهو التفسير، فتفسير ألفاظ صفات الله عز وجل، مما يعلمه العلماء الراسخون في العلم، وإن كانت كيفياتها مجهولة، والله أعلم.
مسألة: أنواع المحكم:
تكلم الدكتور الصباغ، عن هذه المسألة في "اللمحات"، فقال:
المحكم درجات في وضوحه، ومن أجل ذلك يتفاوت الناس في إستيعابه كله وفهمه والإحاطة بمعانيه ومدلولاته، ثم قسم المحكم، إلى قسمين، فقال ما ملخصه:
¨ أولا: هناك آيات واضحات جدا يستطيع كل إنسان أن يفهمها، إذا كان عارفا باللغة العربية.
¨ ثانيا: هناك آيات لا يدرك مدلولها إلا العلماء الواقفون على أسرار العربية، القادرون على الإفادة من قواعد الإستنباط وأصول الفقه وقواعد البلاغة، ثم نبه إلى أن إدخال هذا القسم في المتشابه، لمجرد خفائه عن بعض الناس، غلط دون شك.
مسألة: أنواع المتشابه:
وقد تكلم عنها أيضا الدكتور الصباغ في "اللمحات"، فقال ما ملخصه:
وهو (أي المتشابه) أيضا درجات، فبعضه أشد تشابها من بعض، وقد توسع فيه بعض العلماء، الذين يقولون بأن المتشابه يمكن معرفة معناه، حتى جعلوا، كما سبق، الكلمة الغريبة التي يكشف عن معناها في كتب غريب القرآن، أو معجمات اللغة، من المتشابه.
¨ التقسيم الأول:
وقد ذكروا فيه أن المتشابه ثلاثة أنواع:
· أولا: متشابه من جهة اللفظ: وهو الذي أصابه الغموض بسبب اللفظ وهو نوعان:
o نوع يرجع إلى الألفاظ المفردة: وذكروا له ضربين:
q ضرب يرجع إلى الغرابة: مثل (الأب) فق قوله تعالى: (وفاكهو وأبا).
¥