و قال أبو حازم: (إن بضاعة الآخرة كاسدة، يوشك أن تنفق، فلا يُوصل منها إلى قليل ولا كثير. ومتى حيل بين الإنسان والعمل لم يبق إلا الحسرة والأسف عليه، ويتمنى الرجوع إلى حال يتمكن فيها من العمل، فلا تنفعه الأمنية).
يا هذا .. الليل و النهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى ينتهي بهم ذلك إلى آخر سفرهم. فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زاداً لما بين يديها، فافعل. فإن انقطاع السفر عن قريب ماهو، والأمر أعجل من ذلك. فتزود لسفرك، واقض ما أنت قاض من أمرك، فكأنك بالأمر قد بغتك.
إنما الدنيا إلى الجنة والنار طريق ... والليالي متجر الإنسان والأيام سوق
قال الحسن رحمه الله: (ما مرّ يوم على ابن آدم إلا قال له: ابن آدم، إني يوم جديد، و على عملك شهيد، وإذا ذهبت عنك لم أرجع إليك، فقدّم ما شئت تجده بين يديك، وأخّر ما شئت فلن يعود أبداُ إليك).
تؤمل في الدنيا طويلاً و لاتدري ... إذا جنّ ليل هل تعيش إلى الفجر
فكم من صحيح مات من غير علة ... وكم من مريض عاش دهراً إلى دهر
وقال أبو نصر آبادي: (مراعاة الأوقات من علامات التيقظ).
وقال مورق العجلي: (يا ابن آدم .. تؤتى كل يوم برزقك وأنت تحزن، وينقص عمرك وأنت لا تحزن وتطلب ما يطغيك وعندك ما يكفيك).
وقال الحسن: (لم يزل الليل والنهار سريعين في نقص الأعمار، وتقريب الآجال. هيهات، قد صبّحا نوحاً وعاداً وثموداً وقروناً بين ذلك كثيراً، فأصبحوا قد أقدموا على ربهم ووردوا على أعمالهم. وأصبح الليل والنهار غَضّين جديدين لم يبلهما ما مرّا به، مستعدين لما بقي بمثل ما أصاب به من مضى).
لقد كان السلف الصالح مشغولين دائماً بالآخرة، منتبهين لقيمة الوقت.
قال ابن مهدي: (كنا مع سفيان الثوري جلوساً بمكة، فوثب و قال: النهار يعمل عمله).
وقال علي ابن أبي طالب رضي الله عنه: (إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فاليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل).
أخي الحبيب ..
ينبغي أن تذكر نفسك دائماً بهذا السؤال: لماذا خُلقنا؟ ويجيب رب العزة: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].
ثم تأمل قول أبي الدرداء رضي الله عنه: (لولا ثلاث ما أحببت العيش يوماً واحداً: الظمأ لله بالهواجر، والسجود لله في جوف الليل، ومجالسة أقوام ينتقون أطياب الكلام كما يُنتقى أطياب الثمر).
وانظر أخي الكريم إلى وصية النبي التي حكاها ابن عمر رضي الله عنهما: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل).
قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: (إن الدنيا ليست بدار قراركم، كتب الله عليها الفناء، وكتب على أهلها الظعن. فأحسنوا ما بحضرتكم من النقلة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى).
سبيلك في الدنيا سبيل مسافر ... ولابد من زاد لكل مسافر
ولابد للإنسان من حمل عدة ... ولا سيما إن خاف صولة قاهر
قال الحسن: (ابن آدم، إنك بين مطيتين يوضعانك: الليل إلى النهار، والنهار إلى الليل، حتى يسلمانك إلى الآخرة. فمن أعظم خطراً منك؟).
ياهذا، إنك لم تزل في هدم عمرك منذ خرجت من بطن أمك. وإنما أنت أيام معدودة، كلما ذهب يوم ذهب بعضك.
ألم تر أن اليوم أسرع ذاهب ... وأن غداً للناظرين قريب
سأل الفضيل رجلاً: كم أتت عليك؟ قال: ستون سنة. فقال: فأنت ننذ ستين سنة تسير إلى ربك، ويوشك أن تبلغ. فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون.
ومن عجب الأيام أنك جالس ... على الأرض في الدنيا وأنت تسير
فسيّرك يا هذا كسير سفينة ... بقوم جلوس والقلوع تطير
وقال داود الطائي: (يا ابن آدم، فرحت ببلوغ أجلك، وإنما بلغته بانقضاء مدة أجلك. وسوّفت بعملك، كأن منفعته لغيرك!).
إنا لنفرح بالأيام نقطعها ... وكل يوم مضى يُدني من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً ... فإنما الربح والخسران في العمل
أخي الحبيب ..
إنما الزمان أشرف شيء؛ فلا تضيعه في البطالة. احرص على الطاعات، واغتنم الأوقات قبل الفوات.
اغتنم ركعتين زلفى إلى الله ... إذا كنت فارغاً مستريحا
وإذا هممت بالقول في الباطل ... فاجعل مكانه تسبيحاً
قال الحسن: (لقد أدركت أقواماً كان أحدهم أشح بعمره من أحدكم بدرهمه).
¥