ولهذا جاء الشرع الحكيم بمنع الولي من إكراه موليته على الزواج؛ لأن ذلك ليس من حقه، جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن".
قالوا يا رسول الله! وكيف إذنها؟ قال: "أن تسكت".
وعلى هذا فلا يجوز تزويج المولية بغير إذنها، ولا يعني اشتراط إذنها أن الولي غير لازم في نكاحها؛ فالصواب من القول أن تتفق إرادتها وإرادة وليها في التزويج.
نعم لوليها أن يحاول إقناعها بالزواج إذا كانت ترفضه، وله إقناعها بالزوج الصالح إذا كان ترده، ولكن ليس له إجبارها.
ولا يعني ذلك أن تتعنت المرأة بحجة أنها لا تجبر.
42 - دخول الوالد في كل صغيرة وكبيرة من أمر ولده إذا تزوج: فمن الوالدين- أباً كان أو أماً- من يفرض وصاية عامة، ويضع سياجا محكماً على أولاده بنين وبناب حتى بعد أن يتزوجوا؛ فتراه يتدخل في شؤونهم الخاصة، ويأتي بيوتهم على غرة، ويفرض أراءه التي قد تكون مجانبة للصواب. وهذا من الخلل في التعامل مع الأولاد؛ فاللائق بالوالد أن يترك أولاده يعيشون حياتهم الخاصة بهم، وألا يكون حجر عثرة في طريق سعادتهم.
ولا يعني ذلك أن يترك منا صحتهم، ودلالتهم على ما فيه صلاحهم وفلاحهم، وإنما المقصود من ذلك لزوم الاعتدال في شتى الأحوال.
تساؤلات
هذه بعض مظاهر التقصير في تربية الأولاد، فماذا نؤمل بعد هذا الإهمال؟ وماذا سنحصد من جراء ذلك التقصير؟ أو بعد هذا نطمع في استقامة الأولاد؟ نحيطهم بكل ما يؤدي إلى الانحراف، ثم نرجو بعد ذلك صلاحهم وفلاحهم؟
ومن هنا نعلم أية جناية نجنيها على الأولاد حين نقذف بهم إلى معترك الحياة في جو هذه التربية الخاطئة، ثم ما أسرعنا إلى الشكوى منهم حين نراهم منحرفين أو عاقين أو متمردين؛ ونحن قد غرسنا بأيدينا بذور هذا الانحراف، أو العقوق، أو التمرد.
أين تربيتنا- في هذه الإعصار المتأخرة- من تربية سلفنا الصالح الذين خرجوا لنا أكرم جيل، وأفضل رعيل لا يدانيهم أحد من بعدهم، ولا يبلغ شأوهم من لحق بهم. فمن كان وراء هؤلاء الأبطال؟ ومن الذي صنع أولئك الرجال؟
إننا لو سبرنا أحوالهم، وتتبعنا سيرهم- لوجدنا أن وراء كل واحد منهم- بعد توفيق الله- أباً عظيما أو أماً عظيمة يربون أولادهم على طلاب الكمال، ونشدان المعالي.
منقول من كتاب التقصير في تربية الأولاد مظاهره وسبل الوقاية والعلاج
لمحمد بن إبراهيم الحمد