وقال الطبري في تفسيره عن هذه الآية الكريمة: واختلف أهل التأويل في تلك الليلة، أي ليلة من ليالي السنة هي؟ فقال بعضهم: هي ليلة القدر، ثم ذكرهم، وقال بعد سردهم: "وقال آخرون: بل هي ليلة النصف من شعبان، ولم يذكرهم"، ثم قال: "والصواب في ذلك قول من قال هي ليلة القدر؛ لأن الله- جل ثناؤه- أخبر أن ذلك كذلك"، وقد أُكد هذا المعنى في ذلك البحث نفسه.
وقال النيسابوري في تفسير الآية الكريمة أيضًا: وأكثر المفسرين على أنها ليلة القدر لقوله تعالى: ?إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ? (القدر:1)، وليلة القدر عند الأكثر في رمضان .. ثم نقل كلام الطبري وقال بعده: وزعم بعضهم كعكرمة وغيره أنها ليلة النصف من شعبان، وما رأيت لهم دليلاً يعول عليه، فها أنت ترى من أقوال هؤلاء الأعلام أن الآية الكريمة لا تصلح أن تكون دليلاً في فضل ليلة النصف من شعبان.
2 - ما ورد من أحاديث في فضل هذه الليلة، ومن ذلك:
أ- ما أخرجه بن ماجه والبيهقي في شعب الإيمان عن علي- كرم الله وجهه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: "إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها، وصوموا نهارها، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا، فيقول: ألاَ من مستغفر لي، فأغفر له! ألا مسترزق فأرزقه! ألا مبتلىً فأعافيه! ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر".
ب- ومنها: ما أخرجه الترمذي وابن أبي شيبة والبيهقي وابن ماجه عن عائشة قالت: فقدت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة فخرجت أطلبه، فإذا هو بالبقيع رافعًا رأسه إلى السماء، فقال: "يا عائشة، أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله؟ "، فقلت: ما بي من ذلك، ولكني ظننت أنك أتيت بعض نسائك، فقال: "إن الله- عز وجل- ينزل في ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم بني كلب".
ج- ومنها ما أخرجه أحمد بن حنبل في المسند عن عبدالله بن عمرو بن العاص أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "يطلع الله- عز وجل- إلى خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لعباده إلا اثنين: مشاحن، وقاتل نفس".
ولو صحت هذه الأحاديث وسلمت من العلل لكانت أدلة قوية في فضل الليلة، ولكنها جميعها تكلم فيها المحدثون وأعلُوها، فمنها ما ذكروا ضعف إسناده كما قال العراقي في الحديث الأول، ومنها ما ذكروا أن في إسناده لينًا كما ذكر الحافظ المنذري في الحديث الثالث، حتى قال الحافظ أبوبكر العربي: "لا يصح فيها شيء".
وإذ تطمئن إليه النفس أن هذه الأحاديث- مع التسليم بضعفها وتعليلها- تكفي لأن تجعل لهذه الليلة فضلاً على غيرها من ليالي هذه الشهر، وتجعل القيام بما ورد من العبادات- كقيام ليلها- قيامًا شرعيًّا، وصيام يومها صيامًا شرعيًّا، كذلك من المستحبات بناءً على قاعدة العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، بشرط ألا يُتخذ ذلك ذريعة إلى التعبد فيها بما لم يرد به دليل.
ثانيًا: عقائد عامة في هذه الليلة وعبادتهم فيها
أولاً: يعتقدون أن هذه الليلة هي الليلة التي يُفرَق فيها كل أمر حكيم، فيقضى فيها أمر السنة كلها فيما يتعلق بشئون الخلق، وقد علمت - مما تقدم- الخلاف في الليلة المقصودة بترجيح أنها ليلة القدر.
ثانيًا: يعتقدون أن من حضر الدعاء الذي يدعون به في المسجد بعد المغرب وصلى الصلاة التي ذكروها، وحضر هذا الاجتماع الذي يجتمعونه لم يمت هذه السنة، وثبَّت الله ورقة أجله، ويتشاءمون إذا فاتهم هذا الجمع، وهي عقيدة باطلة لا أساس لها من الدين ألبتة.
ثالثًا: يقرأون سورة (يس) في هذه الليلة، ويجمعون بينها وبين الدعاء بكيفية خاصة، ولم أرَ في ذلك دليلاً .. نعم، إن قراءة القرآن مستحَبة في كل وقت، ولكن تخصيص هذه الليلة سورة خاصة وبكيفية خاصة أمر لا يثبت إلا بدليل خاص، وليس عندنا هذا الدليل، ومن وجده فليأت به.
رابعًا: يذكرون أن لهذه الليلة صلاةً خاصة؛ هي مائة ركعة، يُقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة ?قُلْ هُوَ اللهُ أَحَد? إحدى عشرة مرة، وإن شاء صلى عشر ركعات، يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة مائة مرة ?قُلْ هُوَ اللهُ أَحَد?، ذكر ذلك الإمام الغزالي في الإحياء، وقال: كان السلف يصلون هذه الصلاة ويسمونها صلاة الخير، ويجتمعون فيها، وربما صلوها جماعة.
¥