روي عن الحسن أنه قال: حدثني ثلاثون من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه من صلى هذه الصلاة في هذه الليلة نظر الله إليه سبعين نظرة، وقضى له بكل نظرة سبعين حاجة، أدناها المغفرة .. هكذا قال الإمام الغزالي في كتاب (الإحياء).
وقد تعقبه الحافظ العراقي بأن حديث صلاة نصف شعبان حديث باطل، وهو رأي جمهور العلماء فيه، بدليل أنه لم يرد في كتاب من كتب الحافظ الإثبات، ولم يسنده راويه إلى صحابي معروف، ولم يُرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد علمت أن تخصيص وقت بعبادة خاصة يحتاج إلى دليل شرعي، ولا دليل على هذه الصلاة كما رأيت.
خامسًا: الدعاء بالصيغة المعروفة، وقد أفردناه ببحث خاص لأهميته وكثرة اختلاف الناس فيه.
ثالثًا: دعاء نصف شعبان، وينقسم الكلام فيه إلى ثلاثة أقسام
(أ) صيغته:
يلاحظ بعض العلماء في صيغة هذا الدعاء أمورًا تخالف ظواهر الأدلة الشرعية، منها.
(1) نسبة التجلي الأعظم وإبرام الأمور والفصل فيها ... إلى ليلة النصف من شعبان، وقد علمت رجحان أن ذلك في ليلة القدر لا في ليلة النصف.
(2) نسبة المحو والإثبات إلى أم الكتاب، وإن كانت اللوح المحفوظ فلا محو فيها ولا إثبات، وإن كانت علم الله تبارك وتعالى فكذلك؛ فكيف يقال في هذا الدعاء: اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقيًّا أو محرومًا ... إلخ، فامح اللهم شقاوتي ... إلخ!
وقد اختلف المفسرون في تفسير الآية الكريمة: ?يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ? (الرعد: 39)، وعندي أنهم- جزاهم الله خيرًا- لو أمعنوا النظر فيما قبل الآية وما بعدها لَمَا كان ثمة داعٍ لهذا الخلاف، فقد نزلت الآيات حين سألت قريش النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يستعجل لها العقوبة، فأنزل الله قوله تعالى: ?وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً? (الرعد من الآية 38)، إشارة إلى أحكام البشرية عليهم- عليهم الصلاة والسلام- ?وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَ بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَاب? (الرعد من الآية 38)، إشارة إلى أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لا يأتي بالآيات من نفسه، ولا يستطيع ذلك إلا بإذن الله، فلا معنى لسؤاله إياه. ?لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٍ?، إشارة إلى أن الحوادث تقع في آجالها ومواعيدها الغائبة في تقدير الله تبارك وتعالى، لا تستقدم لحظة ولا تستأخر، فلا لزوم لإرهاقهم نبيهم - صلى الله عليه وسلم- باستعجال ما لم يحن وقته بعد. ?يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ? (الرعد: من الآية 39)، يفعل الله ما يشاء ويترك ما يشاء، يوجد ما يشاء ويعدم ما يشاء، إشارة إلى مطلق تصرفه سبحانه وتعالى في شئون الخلق إيجادًا وعدمًا، وتنبيهًا لهم إلى أن سؤال الآيات واستعجال العقوبات إنما يكون لله وحده ?وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ? (الرعد: من الآية 39) علمه أو لوحه قد أثبت فيه ذلك المحو وذلك الإثبات على النحو الذي يقع فيه ?وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ? (الرعد:40).
وسواء وقع هذا الذي ثبت في أم الكتاب وجودًا أو عدمًا في حياتك، أو توفيتك قبل وقوعه فذلك لا يقدح في مهمتك؛ وهي تبليغ الشريعة، فعليك أن تبلغهم ما أمرت به، وعلينا أن نحاسبهم بعد ذلك على مواقفهم منك.
هذا التفسير للآيات مطابق لظاهرها، مُخرج لكل خلاف فيها متفق مع السياق، منسجم مع أسباب النزول بعيد عن الكلفة والتعسف فيما أعتقد، والله أعلم بمراده. وإنما عرضت له هنا أن هذه الآية الكريمة لا تصلح حجة للذين يصححون صيغة الدعاء، وعليهم البحث عن دليل آخر.
(3) سؤاله- تبارك وتعالى- محو الشقاوة والحرمان والطرد والتقتير في الرزق وإثبات أضدادها من السعادة والقبول والسعة في الرزق، وإثبات هذا الاعتراض على صيغة الدعاء ... يزج بنا في مأزق القضاء والقدر؛ وهو ما يحتاج إلى بحوث مستقلة، والإمساك عنه خير، والخلاف فيه شديد، ومن ذلك نعلم أن اعتراض العلماء على صيغة هذا الدعاء مبني على خلاف شديد يتسع له مجال الرأي، وتكثر فيه مواطن الشبهات، ولا شك أن دعاءً مُجمَعًا على صيغته خير وأجدى من دعاء تُثار حوله كل هذه المشكلات.
(ب) أصله:
¥