تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وإذا كانت أمتنا قد جربت ـ عبر القرنين الماضيين ـ كل تجليات التنوير الغربي ـ من الليبرالية الرأسمالية، إلى الشمولية الشيوعية، إلى القومية الشيفونية، إلى الأخلاط التي اصطنعت المزج بين هذه التجليات ـ فإننا مدعوون إلى تأمل هذا الذي بشرت به مدرسة الإحياء الإسلامي ـ قبل هذه التجارب الفاشلة ـ من "أن جراثيم الدين متأصلة في النفوس، والقلوب مطمئنة إليه، وفي زواياها نور خفي من محبته، فلا يحتاج القائم بإحياء الأمة إلا إلى نفخة واحدة يسري نفسها في جميع الأرواح لأقرب وقت، فإذا قاموا، وجعلو أصول دينهم الحقة نصب أعينهم، فلا يعجزهم أن يبلغوا في سيرهم منتهى الكمال الإنساني".

بل لقد بلغ الاعتقاد ـ عند مدرسة الإحياء والتجديد ـ بأن التنوير الإسلامي هو السبيل المفرد والطريق الأوحد لنهوض هذه الأمة، بلغ هذا الاعتقاد حد اليقين، فقال الأفغاني "ومن طلب إصلاح أمة شأنها ماذكرنا بوسيلة سوى هذه، فقد ركب بها شططا، وجعل النهاية بداية، وانعكست التربية، وانعكس فيها نظام الوجود، فينعكس عليه القصد، ولايزيد الأمة إلا نحسا، ولايكسبها إلا تعسا"!

فهل كان الرجل يقرأ الحال الذي وصلنا إليه، بعد التجارب الفاشلة التي انزلقنا إليها?

إنه يواصل حديثه ـ متعجبا من هؤلاء الذين سلكوا كل الطرق، سوى طريق التنوير الإسلامي، والنهوض بالإسلام ـ فيقول: "ومن يعجب من قولي: إن الأصول الدينية الحقة تنشىء للأمم قوة الاتحاد، وائتلاف الشمل، وتفضيل الشرف على لذة الحياة، وتبعثها على اقتناء الفضائل، وتوسيع دائرة المعارف، وتنتهي بها إلى أقصى غاية في المدنية ـ فإن عجبي من عجبه أشد! ودونك تاريخ الأمة العربية، وما كانت عليه قبل الإسلام من الهمجية، حتى جاءها الدين فوحدها، وقواها، ونور عقلها، وقوم أخلاقها وسدد أحكامها، فسادت على العالم"!

فهو طريق التنويرالإسلامي، السبيل الطبيعي ـ والوحيد ـ لنهوض هذه الأمة، ولاطريق سواه.

إن اختلاف المناهج، ومن ثم الحضارات، سنة من سنن الله التي لاتبديل لها ولاتحويل، ولقد اختار الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة هذا المنهاج في النهضة والإحياء والتجديد، وذلك منذ اللحظة التاريخية والقدسية التي انفرجت فيها السماء عن "النور الملائكي" الحامل لوحي "النور القرآني" إلى "النورالنبوي"، والذي اكتمل في "نورالإسلام"، فمنذ هذه اللحظة القدسية، في مطلع فجر الليلة المباركة ـ ليلة القدر ـ من رمضان سنة 13 ق. هـ سنة 610م كان ميلاد "التنوير الإسلامي" الذي يستنير به كل المستنيرين بنور الإسلام.


* الكاتب مفكر إسلامي مصري، والموضوع نقلا عن موقع الوحدة الإسلامية.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير