تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ذلك هو رأي مدرسة التجديد الإسلامي في فلاسفة الأنوار الغربيين وفي تنويرهم المادي العلماني. ثم هي قد وجهت شديد النقد للمقلدين ـ من مثقفينا ـ لهذا التنوير الغربي، فالمقلدون لتمدن الأمم الأخرى ـ كما يقول الأفغاني: "ليسوا أرباب تلك العلوم التي ينقلونها، وإنما هم حملة، نقلة! لايراعون فيها النسبة بينها وبين مشارب الأمة وطباعها، وهم ربما لايقصدون إلا خيراً، إن كانوا من المخلصين! لكنهم يوسعون بذلك الخروق حتى تعود أبوابا، لتداخل الأجانب فيهم، فيذهبون بأمتهم إلى الفناء والاضمحلال، وبئس المصير"!

بل إن الاستعارة والتقليد للنموذج الأجنبي ـ إذا كان الأجنبي غازيا مستعمرا ـ قد تتحول إلى ثغرات اختراق للأمن الوطني والقومي والحضاري "فمتى طرق الأجانب أرضا لأية أمة، ترى هؤلاء المتعلمين المقلدين فيها أول من يقبلون عليهم ويعرضون أنفسهم لخدمتهم، كأنما هم منهم، ويعدون الغلبة الأجنبية في بلادهم أعظم بركة عليهم، ولقد علمتنا التجارب أن المقلدين من كل أمة، المنتحلين أطوار غيرها، يكونون فيها منافذ لتطرق الأعداء إليها، وطلائع لجيوش الغالبين وأرباب الغارات، يمهدون لهم السبيل، ويفتحون الأبواب، ثم يثبتون أقدامهم".

وبعد النقد والنقض والرفض لفلسفة الأنوار الغربية، والإدانة لتقليدها واستعارتها سبيلا لنهضتنا قدمت مدرسة الإحياء والتجديد المذهب الإسلامي في النهضة، المستنير بالتنوير الإسلامي، بديلا عن غلوى الإفراط والتفريط ـ جمود المتنكرين للعقل والمنكرين للعقلانية، وأنصار التأليه للعقل، الذين استبدلوه بالدين.

9

* الإسلام وحافز النهوض:

فالإسلام هو الحافز على النهوض وليس عقبة في سبيله، ذلك "أن الدين قد أكسب عقول البشر ثلاث عقائد، وأودع نفوسهم ثلاث خصال، كل منها ركن لوجود الأمم وعماد لبناء هيئتها الاجتماعية وأساس محكم لمدنيتها، وفي كل منها سائق يحث الشعوب والقبائل على التقدم لغايات الكمال والرقي إلى ذرى السعادة:

العقيدة الأولى: التصديق بأن الإنسان ملك أرضي، وهو أشرف المخلوقات.

والثانية: يقين كل ذي دين بأن أمته أشرف الأمم.

والثالثة: جزمه بأن الإنسان إنما ورد هذه الحياة الدنيا لاستحصال كمال يهيئه للعروج إلى عالم أرفع وأوسع من هذا العالم الدنيوي".

فعقائد الدين هي الحافز على التقدم والنهوض والتدافع والتسابق والارتقاء.

وهذا التقدم، الذي يحث عليه الدين ـ بسبب من توازنه وموازنته بين غرائز وملكات ومكونات الإنسان ـ هو وحده الكافل تحقيق السعادة لهذا الإنسان "فلم تبق ريبة أن الدين هو السبب المفرد لسعادة الإنسان السعادة التامة، يذهب بمعتقديه في جواد الكمال الصوري والمعنوي، ويصعد بهم إلى ذروة الفضل الظاهري والباطني، ويرفع أعلام المدنية لطلابها، بل يفيض على التمدن من ديم الكمال العقلي والنفسي مايظفرهم بسعادة الدارين".

وإذا كانت الأمة العربية قد نهضت وعزت وسادت ـ قديما ـ بالتنوير الإسلامي، فإنه وحده، دون سواه، السبيل إلى إصلاح الخلل الحضاري الذي طرأ على مسيرتها. "أرسل فكرك إلى نشأة الأمة التي خملت بعد نباهة، واطلب أسباب نهوضها الأولى، إنه دين قويم الأصول، محكم القواعد، شامل لأنواع الحكم، باعث على الألفة، داع إلى المحبة، مزك للنفوس، مطهر للقلوب من أدران الخسائس، منور للعقول بإشراق الحق من مطالع قضاياه، كافل لكل مايحتاج إليه الإنسان من مباني الاجتماعات البشرية، وحافظ وجودها، ويتأدى بمعتقديه إلى جميع فروع المدنية، فإن كانت هذه شرعة تلك الأمة، ولها وردت وعنها صدرت، فما تراه من عارض خللها، وهبوط عن مكانتها، إنما يكون من طرح تلك الأصول ونبذها ظهريا، فعلاجها الناجع إنما يكون برجوعها إلى قواعد دينها، والأخذ بأحكامه على ماكان في بدايته".

وحتى بمنطق "المنفعة، والمصلحة، والجدوى، وفعالية النهضة، وسرعة الإقلاع الحضاري"، فإن طريق التنوير الإسلامي أقرب وأفعل ـ لأنه الموروث، والمألوف، والحاضر، من ذلك "التنوير الغربي" الغريب والذي يستريب منه الجمهور.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير