6 - أن الأخذ بالحساب (نفياً دون إثبات) أي تحكيمه على عدم دخول الشهر دون تحكيمه على دخوله رأيٌ متناقض، إذ يحتج عليه من يرى الأخذ بالحساب بالكلية أننا إذا قطعنا بعدم إمكانية الرؤية فإننا نقطع كذلك – كما يقرره علماء الفلك – أحياناً بإمكان الرؤية كما لو قرروا ولادة الهلال قبل الغروب ب 10 ساعات مثلاً، فهنا يقطع الفلكيون بإمكان رؤيته، وعليه فيجب الأخذ به كما يجب الأخذ بقولهم بالقطع بعدم إمكانية رؤية الهلال، وعليه فيجب صيام الثلاثين إذا قطع الفلكيون بإمكان الرؤية وغم غيمٌ أو قتر، وعليه فنضرب بقول المصطفى عرض الحائط ونعتمد الحساب، أو نعود إلى القول المؤتلف السليم الذي لا تناقض فيه وهو الأخذ بالرؤية وعدم الالتفات إلى رأي الفلكيين جملةً وتفصيلاً.
7 - قد يقول القائل: إذاً خذوا بالرؤية في صلاة المغرب عند رؤية مغيب الشمس، وصلاة العشاء في مغيب الشفق، وغيرها من مواقيت، وهذا اعتراض واهٍ جداً، لأمرين، أولهما أن الشرع علق شهر رمضان بالرؤية، وعلق الصلوات بدخول الوقت لا برؤية سبب دخوله، ففي الحديث: (صوموا لرؤيته) لاحظ أنه علقه بالرؤية ولم يعلقه بالدخول، وفي الحديث الآخر: (وقت الظهر إذا زالت الشمس) لاحظ أنه لم يقل إذا تراءى الناس زوالها فعلقه بالزوال لا رؤية الزوال، فعلَّة وجوب الصلاة الزوال وليست رؤية الزوال، والثاني على فرض التسليم بتعليق الأمر بالرؤية في العبادتين فنقول: إن الحرج مرفوع في الصلاة دون الصوم في هذه المسألة، إذ إن الأخذ برؤية الغروب وطلوع الفجر أمر متكررٌ يومياً ومحرج لو عمل به ويمكنك أن تقدر الحرج فعلاً بتوقيت الفجر في داخل المدن الكبيرة كالرياض، بخلاف الأخذ بالرؤية في رمضان إذ لا تتكرر إلا على رؤوس الأشهر، وهذا بالطبع كلُّه لو سلمنا تساويَ العلة في العبادتين.
8 - على فرض أن الحساب أخذ به فعلى أي حساب نعتمد؟! خاصةً أن التقاويم الحسابية مع دقة العلم الفلكي متناقضة في قضية إثبات الشهور فبعضها يرى 29، والآخر يرى 30 وهذا ينقض الدعوى التي تحيل على دقتها وتدعو إلى جعلها محكمةً على الرؤية، ويظهر هذا التعارض بصورةٍ أجلى إذا قارب مولد الهلال مغيب الشمس فترى العجب العجاب مما بينهم من التناقض ومع ذلك وللأسف نجد من يطلب الأخذ بتلك الآراء المضطربة ويترك الأخذ بأمر محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم.
9 - أن على من يرى الأخذ بالحساب أن يأتي بأمرين: الأول: أن يأتي بدليل صريح يجيز الأخذ بالحساب مقابل الأدلة الصريحة في النهي عن الأخذ به، وكذلك – وهذا الثاني - عليه أن يأتي برأي لعالم واحد من الصحابة على الأقل لأجل أن يخرق الإجماع الذي حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية، ولا يكفي أن يرد عليه بالإجماع غير صحيح أو مسبوق بخلاف؛ فالدعاوى ما لم يكن عليها بينات أصحابها أدعياء ُ، علماً بأن الاستدلال بتطور علم الفلك ودقته وما توصلت إليه المخترعات الحديثة هو استدلال بغير دليل شرعي، فضلاً عن كونه وَهِيّاً.
10 - أنه ومع الإجماع السابق الذكر، إلا أننا لو افترضنا الخلاف في هذه المسألة فإن حكم الحاكم رافع له، ولا ينبغي البلبلة على العامة في قضية دخول الشهر وخروجه بآراءٍ تخالف ما رفعه الحاكم من خلاف، هذا لو افترضنا الخلاف، فما بالك بمسألة أجمع عليها العلماء خلال ثلاثة قرون ورفع فيها حكم الحاكم ما شابها من خلاف مصطنع.
11 - أن القول بالأخذ بالحساب هو قول لبعض الفرق الباطنية ولم يقل به مسلم حتى أتى من يخرق الإجماع في القرن الرابع الهجري، وأصله مأخوذ من أهل الكتاب والصابئة.انظر مجموع الفتاوى (25\ 177).
أختم هذا الجمع الذي أحسبني بلَّغت فيه ما علمته بقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في شرحه لحديث صوموا لرؤيته: ((وهذا دليل على ما أجمع عليه المسلمون إلا من شذ من بعض المتأخرين المخالفين المسبوقين بالإجماع من أن مواقيت الصوم والفطر والنسك إنما تقام بالرؤية عند إمكانها لا بالكتاب والحساب الذي تسلكه الأعاجم من الروم والفرس والقبط والهند وأهل الكتاب من اليهود والنصارى، وقد روى غير واحد من أهل العلم أن أهل الكتابين قبلنا إنما أمروا بالرؤية أيضا في صومهم وعبادتهم وتأولوا على ذلك قوله تعالى: (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) ولكن أهل الكتابين بدلوا ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تقدم رمضان باليوم واليومين وعلل الفقهاء ذلك بما يخاف من أن يزاد في الصوم المفروض ما ليس منه كما زاده أهل الكتاب من النصارى فإنهم زادوا في صومهم وجعلوه فيما بين الشتاء والصيف وجعلوا له طريقة من الحساب يتعرفونه بها)) اقتضاء الصراط المستقيم (87، 88).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[15 Nov 2004, 06:04 ص]ـ
بارك الله فيك أيها الأخ الكريم على هذا التحرير
ويبدو لي - ولعلك تصوبني أخي عبدالله - أن محل النزاع فيما إذا رؤي الهلال قبل ولادته كما يقول أهل الحساب، فهم أو أكثرهم يرون عدم دخول الشهر إلا بولادة الهلال. وأهل الرؤية يثبتون دخول الشهر بمجرد رؤية الهلال بغض النظر عن ولادة الهلال من عدمها، لتعلق الأمر بالرؤية فحسب.
أما إذا رؤي الهلال بعد ولادته فالأمر بين الفريقين لا خلاف فيه، والرؤية لا شك أضبط للأمر، وأيسر للناس كما أشرتم في حديثكم وفقكم الله.
¥