فأمَّا السَّماعُ، فقد كفاني الكلامَ فيهِ الأستاذ الفاضلُ / محمد عمر الضرير. وأما القياسُ، فأحبُّ أن أشيرَ إليهِ إشارةَ عاجِلةً.
فأقولُ: إنَّ الشيءَ يُعرفُ معناهُ من طريقِ الاشتقاقِ، إلا أن يُخصَّصَ تخصيصًا واجِبًا يُخرِجُه عن مُقتضَى اشتقاقِهِ، لا تخصيصًا غالبًا. أو يكونَ اشتقاقُه خاصًّا؛ فتُخرِجه العربُ عن خصوصِه بكثرةِ الاستعمالِ.
ولفظُ (المنادمة) وتصاريفُه مشتقّ - على الأرجحِ - من خبرِ جليسي جَذيمةَ الأبرشِ، فإنه لما قتلَهما ندِم على ذلكَ؛ فالعلاقةُ إذًا مسببيّةٌ.
فقد رأينا إذًا أنَّ الاشتقاقَ لا يدلُّ على (الشراب)، وأنَّ المحتَكَمَ إليهِ في ذلكَ إنما هو السَّماعُ. وقد تبيَّنَ بالاستقراءِ، وأصلِ الاشتقاقِ أنَّ العربَ تستعملُه بمعنى الجليسِ المقرَّبِ خاصّةً، ولا تقصُرُه على المشاربِ. أما غلبةُ استعمالِه في هذا، فلأنَّ المشارِبَ لا يكونُ إلا من خاصّةِ الجُلَساءِ. وبذلكَ يظهرُ أنَّ (النديم) أخصُّ من (الجليسِ)، وأوفقُ.
أبو قصي
واستأنف في مشاركة أخرى القول:" أمَّا لفظُ (المنازعة) بمعنى (التعقيب والردّ)، فإنَّما توهَّمَ بعضُ الفضلاءِ أنَّه يقتضي خلافًا وخصامًا، لغلبةِ استعمالِه في العصورِ المتأخرةِ بهذا المعنَى. والحقُّ أنَّ هذا اللفظَ لا يقتضي ذلكَ؛ إنما هو بمعنى (المجاذبة)؛ ألا ترَى ما قالَ امرؤ القيسِ:
فلمّا تنازعنا الحديثَ وأسمحت ... هصرتُ بغصنٍ ذي شماريخَ ميَّالِ
وقالَ القَطامي:
فلما تنازعنا الحديثَ، سألتُها ... مَنِ الحيُّ؟ قالتْ: معشرٌ من مُحارِبِ
وقالَ عمرُ بنُ أبي ربيعة:
فلما تنازعنا الأحاديثَ قلْنَ لي ... أخِفتَ علينا أن نُغَرَّ ونُخدَعا
وقالَ الحادِرةُ:
وإذا تنازِعُك الحديثَ رأيتَها ... حسنًا تبسُّمُها لذيذَ المكرَعِ
وشواهدُ غيرُ ذلكَ كثيرةٌ.
أبو قصي.
ثم كان الرد الكريم من الدكتور خضر كما هو مبين أعلاه. ولعل ردا يرد من أبي قصي خاتمة لهذا الموضوع.
ولقد استفدنا كثيرا، من هذه المناقشة العلمية المتميزة، فجزاهم الخير جميع، ووفقنا وإياهم لكل ما يحبه ويرضاه.
ـ[أبو مهند المصري]ــــــــ[08 Jun 2008, 02:37 ص]ـ
لما كان ملتقانا المبارك همزة الوصل بيننا وبين ملتقى أهل اللغة، وتم وضع أصل المشاركة هناك وهنا صورتها وتوابعها، قلت: دونكم الحلقة الأخيرة كما هي طبق الأصل الكائن بملتقى أهل اللغة مع المعذرة للإطالة.
أثمِّن للفاضل رئيس الموقع أبي قصي حجته وأحترمها، وأحب أن أقول:
أولا: قولكم حفظكم الله:" إنَّ الشيءَ يُعرفُ معناهُ من طريقِ الاشتقاقِ، إلا أن يُخصَّصَ تخصيصًا واجِبًا يُخرِجُه عن مُقتضَى اشتقاقِهِ، لا تخصيصًا غالبًا. أو يكونَ اشتقاقُه خاصًّا؛ فتُخرِجه العربُ عن خصوصِه بكثرةِ الاستعمالِ" هل هذه قاعدة مطردة؟
هل هذه قاعدة أغلبية؟ ومن صاحبها؟ برجاء عزوها للننتفع مع بيان مصدرها.
ثانياً: قاعدة " الأسماء لا تعلل نقضها من علماء العربية الأستاذ الدكتور محمد حسن جبل أستاذ أصول اللغة ـ كلية اللغة العربية ـ جامعة الأزهر، في بحثه المنشور منذ أكثر من عشرين عاماً.
وكون الملتقى قد بنى اختياره للنديم على قصة الأبرش أو الأبرص كلام لا مقنع فيه، حيث انفكاك الجهة وتباين الأغراض بل والنتائج بين قاتل ومقتول أُعقب كل ذلك بندم، والحال هنا بالملتقى مشارك عالم ومكتوب ومنتفع، فما وجه الجمع بين طالب علم وطالب قتل؟؟؟؟!!!! بين طالب عالم أو معلِّم يدخل الملتقى، وبين من قتل غيره ثم ندم على فعلته وصنيعه؟ فالقياس والسماع علاقته المفارقة والمباينة.
بل أقول: هل توقف العرب عن معرفة مثل هذا الاشتقاق قبل جذيمة ليكون جذيمه وفعلته أصل اشتقاق الكلمه؟؟!
المرجو التفضل بسرد دلائل تاريخية تثبت ذلك.
ثالثاً: قولكم حفظكم الله:" وأصلِ الاشتقاقِ أنَّ العربَ تستعملُه بمعنى الجليسِ المقرَّبِ خاصّةً، ولا تقصُرُه على المشاربِ" إذن العرب لا تقصره على الشارب أي: أن الشارب يدخل ضمنا عند رفض الاشتقاق!
قلت: أليس من الأليق أن يُنزِّه الموقعُ داخليه عن مجرد هذه الشبهة الكائنة في الشرب ولو كانت ـ على سبيل الافتراض الجدلي ـ بقلة.
¥