هذه الأحاديث فهم من لفظ "مَن" و "الذي" أن المقصود هو الله عز وجل الذي لم يأت اسمه عز وجل صريحًا فيها.
كثر في القرآن الكريم مجيء آيات تذكر فعلا لله عز وجل كأنه فعله بنفسه؟، ثم تأت آيات أخرى تبين تكليفه للملائكة بذلك، وقد قيل أن المتكلم لا يذكر نفسه بوصف الجمع من باب التعظيم والتفخيم إلا إذا كان له أتباع ينفذون ما يأمرهم به كما يريد .. فمن ذلك؛
قال تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا .. (42) الزمر.
وقال تعالى: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11) السجدة.
وقال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) الشورى.
ثم قال تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) الشعراء.
وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا .. (27) فاطر.
وقال تعالى بضمير الجمع: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) ق.
وفي قصة الرجل الذي يتصدق بثلث ما تخرجه حديقته؛ فقد سمع رجل صوتًا في السماء يقول اسق حديقة فلان.
فالملائكة هي التي تتولى تنفيذ أمر الله تعالى بإنزال الرحمة؛ والرحمة هي العطاء الذي يعطي المرحوم به استمرارًا في العيش برضا وسعادة.
وقال تعالى في وصف أفعال الملائكة: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) البقرة
وقال تعالى: (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50) النحل.
فمن رضي الله عنه أو سخط عليه؛ بلغ جبريل بذلك؛ فينادي جبريل الملائكة مبلغًا برضا الله عن ذلك أو سخطه عليه، وكلما كثر عدد الراضين زادت مرتبة الرضا، وكلما زاد عدد الساخطين عظم السخط عليه.
وجبريل عليه السلام أمين عند الله تعالى في تبليغ كلامه للنبي عليه الصلاة والسلام:
قال تعالى: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) التكوير.
والنبي صلى الله عليه وسلم أمين في تبليغ ما بلغه جبريل عليه السلام التي كان يأتيه من السماء وليس الذي يبلغه هو ممن في الأرض .... وأنه كان يراجعه فيما بلغه من آيات الله، وقد راجعه في القرآن مرتين في ىخر رمضان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
فما ورد في هذه الأحاديث هو إما جبريل عليه السلام أو الملائكة. فهذا الذي يصلح من تنكير المقصود وعدم التصريح بذكر اسمه أو صفته الدالة عليه وحده.
فلا ننكر أحاديث صحيحة على قلتها.
ولا نجعلها مناقضة أو مخالفة لما في القرآن الكريم الذي لم يأت فيه بحصر أو تجسيد لله عز وجل.
وباب التوفيق بينهما قائم.
رابعًا: سؤال الجارية بـ "أين" التي هي للمكان فإن السؤال بها عن المكانة أيضًا جائزًا، وقد فسرت في سؤال الجارية بذلك .. وذكرته من باب العلم بوروده.
لكن وكما قلت فإن حالة الجارية حالة خاصة، واستجواب خاص؛ يشرع في مثل هذه الحالة، ولا يعمم على غيرها ...
فقد رخص عليه الصلاة والسلام لمن يعذب أن يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم بسوء عندما يعجز عن تحمل العذاب، وقال لذلك الصحابي المستضعف: فإن عاودوك فعد، مع بقامة حرمة الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك كان في حالة خاصة، وقلب هذا الصحابي مطمئن بالإيمان.
خامسًا: أن القول هو البلاغ عما في النفس من كلام صاحبه أو نقلا عن غيره، ويكون بالكلمة وبالإشارة، ومما يستشهد به قول الشاعر: قالت له العينان والحاجب. فعد التبليغ بإشارة العينان والحاجب قولا.
وفي قصة مريم عليها السلام؛ أنها صامت عن الكلام، وكان قولها إشارة؛
¥