تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لكن هل اتبع دكتورنا "الهاجيوغرافيكالى" الهمام النصيحة التى شنَّف آذاننا بها؟ لنأخذ مثلا تشكيكه السخيف فى قرآنية قوله تعالى: "وأَمْرُهم شُورَى بينهم" فى الآية 38 من سورة "الشورى" بشبهة أنه لا يناسب السياق الذى ورد فيه (ص22 - 23)، ومن ثم يزعم أن تلك العبارة هى مما أُقْحِم على القرآن فيما بعد عند كتابته للمرة الرسمية الثالثة فى عصر عثمان، ولم "يَبُحْ" بها النبى، حسب رطانة الدكتور جعيط، الذى لو كان لديه شىء من الحس السليم لفهم أنه بهذه الإمكانات اللغوية المتواضعة بل الوضيعة ما كان ينبغى له أن يتغشمر فى كلامه عن كتاب الله على هذا النحو الجاهل. وأحب أن أقول للقارئ إن ريجى بلاشير، المستشرق الفرنسى الذى أعمى الله بصره فى أخريات حياته مثلما أعمى قبلا بصيرته، كان من شِنْشِنَته الزعم بأن هذه الكلمة أو تلك العبارة لم تكن فى النص القرآنى الأصلى، بل أُقْحِمت عليه فيما بعد. والمقصود من كلام جعيط عن آية الشورى، حسبما أشار هو نفسه عقيب ذلك، أن عثمان قد أضاف هذه العبارة من لدنه كى يضفى الشرعية على تبوُّئه الخلافة. وكأن الشورى تحتاج إلى تبرير، وهو ما يعنى أن الأصل فى أمور الحكم حسبما قرره القرآن وطبقه الرسول هو الاستبداد وقفز كل طامح مغامر على كرسىّ السلطة عَنْوَةً ودون اعتبار أو انتظار لرأى الناس الذين سيحكمهم، فكان لزاما على عثمان أن يضيف إلى القرآن جملة تقول إن الشورى يا مسلمون يا متخلفون هى أمر طيب، ومن ثم فلا وجه لاعتراضكم على الأسلوب الشُّورِىّ الذى وصلتُ به إلى الإمساك بمقاليد أموركم. أليس ذلك أمرا مضحكا؟ فهذا هو مستوى"هاجيوغرافيكاليّنا" اللوذعى فى الفهم والتبرير وقراءة النصوص.

طيب يا دكتور جعيط، سأحاول أن ألغى عقلى وأنزل إليك وأقول: فليكن أن عثمان قد فكر بهذه الطريقة. أليست هناك آية قرآنية صريحة فى وجوب الأخذ بالشورى، وصيغت على نحو أشد وأفعل فى النفوس، وهى الآية رقم 159 من سورة "آل عمران" الموجهة إلى النبى ذاته لا إلى المسلمين بوجه عام، وبصيغة الأمر لا بصيغة الخبر كما فى الآية التى نحن بصددها، وبعد هزيمة أحد التى تمت بعد مشاورة النبى لأصحابه ونزوله على مقتضيات الشورى وخروجه لملاقاة المشركين خارج المدينة حسب رأى الأغلبية فكان ما كان، ورغم هذا يوجب عليه ربه أن يلتزم بالشورى مع المسلمين فى كل الأمور؟ وهذه هى الآية: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ". فلماذا شعر عثمان يا ترى أنه لا بد اختراع آية للشورى، وعنده تلك الآية؟ وكيف سكت المسلمون على بكرة أبيهم فى كل بلاد العرب والمسلمين فلم ينكروا ذلك عليه رضى الله عنه؟ وأين كان علىّ كرم الله وجهه؟ بل أين الشيعة منذ ذلك اليوم حتى يومنا الأغبر هذا؟ لكن على من تُلْقِى مزاميرك يا أبا خليل؟

وبالمناسبة فالقرآن عند الدكتور جعيط "مطبوع بطابع عبقرية شخصية ملهمة فى الفكر والتعبير، فى المعانى الميتافيزيقية، فى قوة الإيحاء" (ص25). ولا أظن المعنى إلا واضحا لا يحتاج أى تدخل منى لشرح مقصد الكاتب. ويزداد الأمر عجبا وغرابة حين نرى كاتبنا "الهاجيوغرافيكالى"، رغم ذلك، يؤكد أنه من غير الممكن أن يكون القرآن قد تعرض لأى تغيير فى نصوصه لما له من قداسة شديدة فى نفوس المسلمين ولأنه كان محفوظا فى الصدور والطروس جميعا ويردده الناس فى كل صلاة ويرجعون إليه دائما فى تشريعاتهم بحيث لا يمكن أن يعتريه أى تغيير دون أن يثير ضجيجا وعجيجا يهتز له المسلمون فى كل مكان. عظيم (ص22 - 23)، فما المشكلة إذن؟ وكيف يتسق هذا والقول بأن القرآن قد دخلته بعض الإضافات؟ حسبما هو مخطط فسوف يردّ بعض القراء قائلين إن هشام جعيط قد بذل جهدا عظيما ورائعا فى الدفاع عن صيانة القرآن من العبث والتحريف، فلا يعيبه أن يقال إنه قد أُقْحِمَتْ عليه جملة ليست منه لا تقدم ولا تؤخر، جملة صغيرة لا خطر من ورائها، وممن؟ من عثمان ختن النبى وأحد أقرب صحابته إلى قلبه وأحد العشرة المبشرين بالجنة، يا داهية دُقِّى! بالإضافة إلى بعض الحالات المحتملة الأخرى التى سقط من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير