تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن المحتمل أن يكون ناس فى الأزمنة القديمة قد عاشوا أطول من 122 عاما، إلا أنه لم يسجَّل رسميا لأن القدماء لم يكونوا يعرفون مسألة الأرقام القياسية والإحصاءات العامة وما إلى ذلك، وإن لم يمنع هذا من تأليفهم كتبا ككتاب السجستانى: "المعمَّرون والوصايا"، الذى لا أظن أن كل ما فيه عبارة عن مبالغات وخرافات كما قد يتبادر إلى أذهان المغرمين بالتكذيب "لله فى لله"، وإلا فلنكذب القرآن أيضا، ففيه وفى العهد القديم معا أن نوحا عاش نحو ألف عام. ولكنْ على من يكذّب القرآن أن يقيم الدليل على أن ما يقوله كتاب الله فى هذا الموضوع كذب أو خرافة. ومَنْ يا ترى يستطيع ذلك فى أمرٍ مضى وانقضى ولم يعد ثم سبيل إلى إرجاعه أو إلى الطعن فيه؟ بالإضافة إلى أن قياس أمور القدامى على أمورنا فى كل تفاصيلها منهج خاطئ: فى بعض الحالات على الأقل. ومن هنا فلست أشاطر كاتب مادة " Life expectancy" فى موسوعة " Wikipedia" فى قوله: " Although there are several longevity myths mostly in different stories that were spread in some cultures, there is no scientific proof of a human living for hundreds of years at any point of time"، إذ كيف يمكنه التحقق من أن ما ينكره لم يحدث فى الماضى، وبخاصة أن هناك من أكدوا حدوثه، ومن الصعب الزعم بأنهم جميعا كاذبون أو خاضعون لتأثير الفكر الخرافى تماما؟ وفى أقل القليل إذا كان العلم لا يستطيع إثبات طول العمر قديما إلى مئات السنين فإنه بالمقابل لا يستطيع إثبات عدمه.

على أنه لا بد لى هنا من تسجيل شكرى لهشام جعيط رغم ذلك لأنه، والحمد لله، قد وافق كتاب السيرة القدماء على أن النبى هو فعلا من بنى هاشم وأنه مكى، وليس من وسط جزيرة العرب (ص144) كما تقول صاحبة كتاب الـ" Haggerism" المستشرقة باتريشيا كرونة أم سن ذهب (أو فضة، لا أدرى بالضبط، فقد كنت رأيتها مرتين أو نحو ذلك فى أوكسفورد فى أواخر سبعينات القرن الماضى، ولست متأكدا الآن أكانت سنها ذهبا أم فضة، وكانت حركات يديها وهى تشيح بهما أثناء المحاضرة تفتقر إلى رقة النساء وتوحى لك بأن المتحدث ذكر لا أنثى). ولك أن تتخيل مبلغ سعادتى وسر شعورى بأنه لا بد لى من شكر د. جعيط إذا عرفت أننى كنت واضعا يدى على قلبى خشية أن تعتريه واحدة من بدواته غير العلمية أو المنهجية أو المهلبية بالألماظية، وما أكثرها وأعصاها على الانضباط، فيُقِلّ عقله ويدخل فى منافسة حمقاء مع الست كرونة ويزعم أنه صلى الله عليه وسلم ليس من مكة ولا من بنى هاشم ولا من أواسط الجزيرة ولا هو عربى أصلا ولا فصلا، بل يابانى. نعم يابانى من بلاد الواق واق بعينين مشقوقتين بالموسَى كسائر أهل اليابان، ومنهم ابنا الأستاذ ميسرة عفيفى صديقنا المصرى المقيم هناك! وأرجو من القراء ألا يظنوا بى المبالغة حين أذكر اليابان، فهم لا يعرفون فجور كارهى الإسلام. ألم يقل طه حسين، عندما نفى مصر عن الشرق جملة وتفصيلا فى كتابه الآثم السخيف: "مستقبل الثقافة فى مصر" وألحقها بأوربا، إنه يقصد الشرق البعيد كالصين واليابان والهند؟ أرحت قلبى يا دكتور جعيط، أراح الله قلبك! وأنت لا تعرف سبب دعوتى هذه لك ولا تستطيع أن تقدرها حق قدرها لأنك لا تدرى ماذا حدث لى فى الفترة الأخيرة! أقولها وقلبى يعلو ويهبط من شدة الانبهار: الانبهار الجسدى والنفسى معا.

لكن الدكتور هشام سرعان ما ركبته الحالة التى ساعةً تَرُوح، وساعاتٍ تجىء، فأنكر أن يكون أبو النبى قد مات وهو فى بطن أمه. ومن بين ما تنطع به لإيهامنا بصحة هذا التخلف قوله إن كتاب السيرة إنما قالوا ذلك حتى لا يكون لأحد فضل عليه. ألم يقل الله له: "ألم يجدك يتيما فآوى"؟ (ص146 - 147). طيب يا بطلنا الهمام، وهل إذا مات أبوه وهو فى بطن أمه، ألن يتولى تربيته بدلا من أبيه شخص آخر سوف يكون له فضل رعايته، وهو هنا جده عبد المطلب أولا ثم عمه أبو طالب ثانيا؟ أم تراهم قالوا إن الغزالة هى التى ربته كما هو الحال مع المأسوف على شبابه حَىّ بن يقظان بطل قصة ابن طُفَيْل؟ لكن هذه أضرط من الأخرى، فخَلِّنا فى الراعى البشرى، فهو أفضل من الغزلان.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير