تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لاحظ، يا قارئى العزيز، أن هذا كله لا قيمة له فى مجرى أحداث السيرة، وجعيط نطّاط الحيط يعرف ذلك كله وغير ذلك كله، إلا أن المراد هو إيقاع البلبلة فى نفوس العرب والمسلمين حتى لا يطمئنوا إلى شىء يتعلق بحضارتهم وتراثهم ودينهم ونبيهم. أفهمت الدور الذى يحاول المحفَّظ، اسم النبى حارسه وصائنه، أن يقوم به؟ وبالمناسبة فقد كانت الحالة التى اعترته هنا من النوع الثقيل الخطير، إذ شكك أيضا فى اسم والد الرسول، كما شكك فى اسم الرسول نفسه على ما قرأتَ لى فى بحث آخر مسحنا فيه بما كتبه المحفَّظ الأرض قبل مدة. ولهذا نضرب صفحا عن هذا القىء، وبخاصة أننا لا ننوى تناول كل ما قاله، وإلا ما فرغنا، إذ الساحة تفيض بأمثاله ممن لو تفرغ لهم الواحد ما وجد وقتا حتى لدخول الحمّام!

وهو يتكلم عن القرآن صراحة على أنه من عمل النبى عليه السلام، استقى ما فيه من أفكار وعقائد وقصص من أهل الكتاب حين كان يقيم بالشام ويتصل بهم هناك، ولكن بعد أن تعلم قبل ذلك فى بلاده على يد الحنفاء (ص151 وما بعدها. وهو، فى الصفحة السادسة والأربعين من الجزء الأول من الكتاب، يرى أن الرسول لو كان قد قال للناس إن القرآن نتاج تفكيره هو لفشلت الدعوة، وإن أضاف ما معناه أنه صلى الله عليه وسلم كان مقتنعا مع ذلك أن القرآن هو من عند الله. أى أنه كان واهما مخدوعا يتصور ما لا حقيقة له).

والطريف، وكل أمر الرجل طرائف، وإن كان بعضها كارثيا، أنه يعود بُعَيْد ذلك فى نفس الصفحة فيتظاهر بالهجوم على المستشرقين الذين يقولون بأن القرآن هو من صنع النبى. لكن لماذا؟ لأنهم ينظرون "إلى الإسلام والقرآن نظرة خارجية مجردة من كل إيمان" (حمِش والله!)، ومن ثَمَّ يَعْمَوْن عن "سعة علم النبى ومقدرته الفذة فى معرفة التراث الدينى واللغات السريانية والعبرية واليونانية التى نجد أثرها فى القرآن ومعرَّبا فى الشكل"، وكذلك عِلْمه "بالكتاب المقدس والأناجيل المزيفة والتلمود وآثار الربانيين"، فضلا عن "مقدرته الفائقة فى الإبداع الدينى والخَلْق التشريعى".

لكن هذه واسعة حبتين يا دكتور! ومع ذلك فإنى أشد على يديك وأشكرك على أنك، وإن نفيت أن يكون اسمه "محمدا"، قد سميته رغم ذلك اسما عربيا هو: "قُثَم"، ولم تقل إنه كان إجريجيا يدعى: "خريستو"! ربنا يشفى الكلاب ويضرّك يا شيخ! ولكن ما دامت المسألة بهذه السهولة فما الذى كان يضيرك لو قلت إنه كان يعرف السنسكريتية واللاتينية أيضا، وكله بثوابه؟ فهاتان اللغتان تضمان تراثا دينيا مهما لا يستغنى عنه واحد كمحمد يريد أن يكون نبيا. ولماذا لم تقل كذلك إنه كان يتردد على مكتبة المتحف البريطانى مثل الرجل الذى كان وجهه مملوءا بالدمامل: كارل ماركس وبائس الذكر الحقود المسمى: سلامة موسى، وإنه كان يقبع هناك طوال النهار والليل لا يفارق الكتب حتى حفظها كلها على بكرة أبيها وأمها كذلك، حتى لا نُتَّهَم بأننا أبناء ثقافة ذكورية قمعية حمصية سمسمية سودانية تفرّق بين الرجل والمرأة، وتنحاز للأول على حساب الثانية؟ وتقول إنك تدافع عن الرسول ضد المستشرقين؟ يا للبجاسة!

من هنا فإن القرآن، حسب مزاعم جعيط، يردد ما جاء فى كتب أهل الكتاب عن معجزات الأنبياء رغم أن هذه المعجزات لا حقيقة لها، بل مجرد خرافة لا صلة بينها وبين الواقع (ص255). وقد سبق أن قال ذلك بكل وضوح فى الجزء الأول من الكتاب/ 29 حيث يؤكد أن "معجزات الأنبياء من قبل لم توجد فعلا، وإنما رُوِىَ بعدهم أنها وُجِدت، وسرت القصة عبر التاريخ على أنها واقعةٌ جرت، وإِنِ المعجزة إلا حديث عن المعجزة"، وهو ما كرره ص79 من ذلك الجزء أيضا. كما أشار (ص53) إلى أنه لم يكن ثم كلام بين الله وموسى ولا جدال بينه وبين إبراهيم، بل كل ذلك من تأثير نزعة الأنسنة التى كانت عليها العقلية القديمة والتى لم يشأ محمد تخطئتها رغم معرفته أنها خرافة، بل سايرها انتظارا منه أن يأخذ التطور الذى أتى به مجراه ويفيق الناس من تصديق تلك الخرافات. وبالمثل فإن جبريل لم يتمثل لمريم عليها السلام فى شخص إنسان، وكل ما هنالك أن القرآن جارى اعتقاد المسيحيين وكلام الإنجيل ليس إلا/ 1/ 122. كذلك يؤكد فى الصفحة 75 من ذلك الجزء أنه لم يكن هناك نبى عربى قبل محمد، مكذبا بذلك ما ورد فى القرآن عن هود وثمود وشعيب، ليعود فى الصفحة 136 من نفس الجزء،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير