تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فيتحدث عن أنبياء العرب الذين قص القرآن ما جرى لهم من تكذيب! وبالمناسبة فهو يقول فى نفس الصفحة إن عيسى قد قُتِل. وهذا، كما نعرف، مخالف لما جاء به القرآن. كما ذكر أن الرفض المتعنت الذى جابهت به قريش دعوة الإسلام قد "حدا بالنبى أن يعمّق فكره ويدخل فى ذاته ليستخرج أقوى صور الخيال الدينى عبر "الأعراف والرعد والأنعام ويوسف وإبراهيم" ... " (ص298).

ولأنه قد سبق لى أن تناولت الدعوى الخاصة بتعلم الرسول على أيدى الحنفاء وأهل الكتاب بكثير من التفصيل والصراحة المطلقة وقلَّبت على كل الوجوه ما قاله المستشرقون فى اتهاماتهم للرسول عليه السلام فى كتابى: "مصدر القرآن"، وهو متاح على المشباك، فإنى أكتفى بإحالة القراء إليه ليعرفوا رأيى فى هذا الموضوع بالتمام والكمال، وإن كان من الممكن تدمير كل هذا التنطع بسؤال واحد بسيط: لماذا لم ينبر لمحمد أحد من الحنفاء أو من أهل الكتاب فيقول له: ألست أنت الرجل الذى تعلَّم على أيدينا وأخذ ما كنا نقوله ونقرؤه أمامه، ثم أتى اليوم وادعى النبوة؟

وبالنسبة للحنفاء الذين اتُّهِم الرسول بأنه تعلم على أيديهم فهم إما أسلموا وتبعوه، أو إذا كانوا قد ماتوا قبل بعثته صلى الله عليه وسلم فقد دخل أبناؤهم فى دينه وأصبحوا من تلاميذه، ولم يحدث أن فتح أحد من هؤلاء أو أولئك فمه بالإشارة، مجرد الإشارة، إلى شىء من هذا، وهو ما يهدم كل ما يتنطع به المتنطعون فى ذلك المضمار. ونفس الشىء يصدق على أهل الكتاب، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل عن السر فى عدم حديث أى منهم فى ذلك الموضوع، وما كان أسهله وأصدقه لو كان الأمر على ما يتساخف به جعيط، كى يضع حدا لكل هذا الكذب المحمدى ويئد دعاواه وتدليساته فى مهدها ولا تخسر اليهوديةُ مكانتها التى كانت لها فى بلاد العرب، ولا النصرانيةُ الشامَ بتلك السهولة التى فقدته بها. وإذا كان المسلمون قد عتّموا، كما يقول جعيط، على مثل تلك النقاط الحساسة فى حياة سيد البشر، فلماذا لم يتكلم واحد من هؤلاء فيَفْتِشَ السر ويفضحَ محمدا فيُضْحِىَ بين غمضة عين وانتباهتها مضغة فى الأفواه وينتهى أمره وأمر رسالته فلا يعود ثمة داع للدور الذى يؤديه جعيط نطاط الحيط وأمثاله الآن، وتوفِّر الدوائر المعادية للإسلام فلوسها وتعبها وتنفقهما فى شىء آخر؟ صدق من قال: إذا لم تستح فاصنع ما شئت!

أما ما قاله عن ذكر القرآن المجيد لمعجزات الأنبياء السابقين مسايرة لأهل الكتاب بوصفها قد وقعت فعلا رغم خرافيتها فهو، والحق يقال، منطق سخيف. ذلك أن الموقف الوحيد الصحيح الذى كان ينبغى أن يتخذه النبى تجاه معجزات الأنبياء الماضين ما دام يرى أنها خرافة هو إنكار وقوعها من أساسها فيريح ويستريح بدلا من وجع الدماغ الذى ظل القرشيون فى مكة واليهود فى يثرب من بعدهم يزعجونه به لسنوات طوال استفزازا له أن يأتيهم هو أيضا كأولئك الأنبياء السابقين بمعجزة. وجعيط يؤمن بأن محمدا كان داهية، فكيف فات الرسولَ صلى الله عليه وسلم ذلك الحلُّ العبقرىُّ السعيدُ وهو فى قبضة يده، ولم يكن ليكلفه شيئا بالمرة؟

وجعيط يلح على التأثير النصرانى الهائل على محمد، ومن ثم على القرآن الذى ألفه. وهذا كله ترديد لما قاله المستشرقون، الذين يذكر جعيطنا أسماء مشاهيرهم فى سياق حديثه عن هذا الموضوع. ولأن الكذب والتدليس ليس لهما رجلان فإننى أقول له: إذا كان الأمر كذلك فكيف تفسر لنا بعبقريتك البائسة سر كل تلك الكراهية العنيفة المتلظية التى يكنها النصارى له صلى الله عليه وسلم؟ ولماذا كان الإسلام هدما شاملا ماحقا لكل أسس النصرانية واتهاما مطلقا لرجالها بأنهم حرفوها وخلقوا دينا غير الدين الذى أنزله الله على عبده ونبيه عيسى بن مريم عليه السلام؟ الواقع أن الرجل بسيط التفكير ساذجه، وهو لا يعرف إلا أن يردد ما يُلْقَى إليه بعد أن يضيف له ما يتفوق به على أساتذته، شأن كل تابع عريق فى التبعية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير