تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أعنف على اليهود لتكرر كفرهم بالله بعد أن جاءهم موسى بالبينات ولاتخاذهم العجل وغير ذلك (الأعراف/ 138 - 171، وطه/ 83 - 98). فما قول القارئ الكريم فى ذلك؟ ألا يرى أن طنطنة الرجل بما صنعه المستشرقان المذكوران هى طنطنة فارغة؟

ومن جهله كذلك ادعاؤه أن مشيئة الله فى القرآن هى مشيئة اعتباطية إلى حد كبير (ص203). لكنه لم يسق لنا أية آية تدل على هذا السخف الماسخ الذى يقوله. نعم إننا نقرأ فى القرآن المجيد قوله سبحانه وتعالى: "إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" (النحل/ 40)، "إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" (يس/ 82)، لكن القرآن يلفتنا فى ذات الوقت إلى أنه جل وعلا قد خلق الكون بالميزان وأن ثم سُنَنًا يسير هذا الكون عليها. أما الآيتان المذكورتان فمعناهما عند من يفقهون أنه سبحانه وتعالى لا تحكمه أية إرادة خارجية، بل إرادته وحدها هى الإرادة، لكنها إرادة قائمة على السنن، وإن لم يمنع هذا من خرق تلك السنن إذا ما أراد سبحانه ذلك ما دامت المشيئة هى مشيئته وحده، وهو ما وقع فى صورة معجزات لبعض الأنبياء والرسل عليهم السلام، ولا يمثل مع ذلك سوى حالات استثنائية قليلة! وهو نفسه يقول (ص79 - 80 من الجزء الأول من كتابه هذا) إن من المستحيل "خرق القوانين الطبيعية بأية إرادة كانت. والقرآن واضح هنا: "ولن تجد لسنة الله تبديلا" (الأحزاب/ 62) ". وكان قد قال شيئا قريبا من هذا قبلا (ص20 من نفس الجزء).

ومن الشواهد أيضا على عدم إحسانه القراءة زعمه أن البلاذرى قد أنكر سفارة عمرو بن العاص إلى نجاشى الحبشة بغية تأليبه على المسلمين الذين هاجروا إلى بلاده لِوَاذًا بعطفه وعدله، قائلا إن ذلك المؤرخ يحكم على تلك السفارة بأنها "وهم" (ص226). وها هو ذا "أنساب الأشراف" للبلاذرى بين يدىّ أنظر فيه ما كتبه مؤرخنا العظيم، فماذا قال؟ سأنقل لكم ما كتبه بالنص لتَرَوْا معى إلى مدى يمكن الثقة بفهم هشام جعيط لما يقرأ. قال البلاذرى: "وأما عمارة بن الوليد فيقال إنه وعَمْرو بن العاص توجها برسالة قريش إلى النجاشي في أمر من بالحبشة من المسلمين ليفسداه عليهم ويهجناهم عنده ويسألاه دفعهم إليهما. وحمّلوهما إليه وإلى بطارقته هدايا من أدم وغيره. وذلك وهم. وقيل: إنه كان مع عمرو بن العاص في هذه المرة عبد الله بن أبي ربيعة، ولم يكن معه عمارة. فردهما النجاشي مقبوحين خائبين، فاشتدت قريش عند ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الثبت.

ثم إن عمرا وعمارة خرجا بعد ذلك في تجارة إلى الحبشة، وكانا ظريفين فاتكين. وكانت مع عمرو امرأته، فقال لها عمارة، وهما يشربان في السفينة: قبِّليني. فقال لها عمرو: قبِّلي ابن عمك. ففعلت، وحَذِره عمرو. فأرادها عمارة على نفسها، فامتنعت، وفطن عمرو بذلك. ثم إن عمرا جلس على حرف السفينة ليبول، فدفعه عمارة في البحر، وكان يجيد السباحة، وأخذ بالقلس وتخلص، فاضطغنها عليه وكتب إلى أبيه العاص بن وائل أن اخلعني وتبرأ مني ومن جريرتي على بني المغيرة وبني مخزوم، فقد كان من عمارة كيت وذيت. وهو يرصد له بما يرصد به. ولم يلبث عمارة، حين دخل أرض النجاشي، أنْ دَبَّ لامرأة النجاشي فاختلف إليها. ويقال إنها رأته فعشقته، وكان جميلا فدَعَتْه. فجعل يختلف إليها، وكان يحدّث عمرا بما يجري بينهما، فكان عمرو يظهر تكذيبه ليمحكه بذلك. فقال له ذات ليلة: إن كنت صادقا فائتني بدهن من دهن النجاشي الذي لا يَدَّهِن به غيره، فإني أعرفه. وكان أصفر، فأعطته قارورة منه وثوبا أصفر من ثيابه. فجاء بذلك إلى عمرو، وكانا ينزلان في دار واحدة، فقال له عمرو: لقد نلتَ ما لم ينله قرشي قبلك. وأخذ الدهن والثوب إليه، فلما أصبح أتى النجاشي بذلك وحدثه الحديث. فيقال إن النجاشي أخذه فقطعه آرابا ثم أحرقه، وأخذ امرأته فدفنها وهي حية. ويزعمون أن النجاشي دعا بالسواحر، فسحرنه، فكان يهيم. ثم إنه مات على تلك الحال. ويقال إنه لما فعلن به ذلك هام فكان مع الوحش. وخرج عبد الله بن أبي ربيعة في طلبه، وكان اسمه بحيرا فسماه النبي صلى الله عليه وسلم: عبد الله، فدُلَّ على مواضعه ومظانّه، فالتزمه فجعل يقول له: تنحَّ عني يا بحير. ومات في يده".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير