تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والآن من الواضح الجلىّ أن هشام جعيط لم يفهم النص، فالبلاذرى لا ينكر السفارة كما توهم جعيط، بل ينكر فقط إحدى روايتيها، وهى الرواية الأولى التى تقول إنها كانت مكونة من عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد والتى عقب عليها بقوله: "وذلك وهم". أما الرواية الأخرى التى تتكون السفارة فيها من عمرو ومن عبد الله بن أبى ربيعة فيطمئن إليها قائلا: "وهذا الثبت". ومع هذا فإنه يعود فيذكر سفر عمرو وعمارة معا إلى الحبشة، لكن لا للسفارة بل للتجارة على ما هو بيّن لكل من يفهم.

وهذا مثال آخر، وما أكثر الأمثلة، على عدم فهم هشام جعيط لما يقرأ، وهو تشكّكُه فى الرواية المشهورة عن إسلام عمر بن الخطاب، تلك الرواية التى تعزو يقظة ضمير الفاروق وتبلور عزمه على دخول الإسلام إلى قراءته لبعض آيات القرآن، فهو يقول إن "روايات البلاذرى عن الواقدى عن معمر عن الزهرى أقرب إلى الصحة حيث يقول: "أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أربعين رجلاً وإحدى عشرة امرأة"، أى مبكرا من غير أن يذكر أى تَوْرَخَة (يقصد: من دون أن يذكر تاريخا للواقعة)، لكنه يقول إنه أتى النبى ليؤمن، وكان مجتمعا فى بيت فى الصفا (دار الأرقم؟) " (ص249). هذا ما كتبه هشام جعيط، أما الذى كتبه البلاذرى فهذا هو بنصه وفصه: "حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة: ثنا عبد الله بن إدريس الأودي: ثنا حصين بن هلال بن إساف، قال: أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أربعين رجلاً وإحدى عشرة امرأة. وحدثني محمد بن سعد والوليد بن صالح عن الواقدي عن معمر عن الزهري، قال الواقدي: وحدثني ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين وغيرهما، يزيد بعضهم على بعض، قالوا: أسلمت فاطمة بنت الخطاب أخت عمر وأسلم زوجها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، فكانا يتكتمان بإسلامهما عن عمر، وكان عمر شديدا على من أسلم من قومه. وأسلم نعيم بن عبد النحّام، وإنما سمي النحّام لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دخلت الجنة فرأيت فيها أبا بكر وعمر، وسمعت نحمة من نعيم فسمي: النحّام. قالوا: وكان شريفا. وكان خبّاب بن الأرتّ رضي الله عنه يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب فيقرئها القرآن، فخرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات يوم متوشحا بالسيف يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطا من أصحابه ذُكِروا له وأُخْبِر أنهم مجتمعون في بيت عند الصفا، وهم أربعون أو نيف وأربعون بين رجال ونساء، وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ عمه حمزة وعلي وأبو بكر رضي الله عنهم. فلقيه نعيم بن عبد الله فقال: أين تريد؟ قال: أريد محمدا هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش وسفه أحلامها وعاب دينها وسب آلهتها وذم من مضى من آبائها، فأقتله فيرجع الأمر إلى ما كان عليه. أيظن محمد أن قريشا تنقاد له؟ كلا واللات والعزى. فقال له نعيم: قد والله غرتك نفسك يا عمر. أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض إذا قتلت محمدا؟ فقال: لا أعلم رجلاً جاء قومه بمثل ما جاء به، فلئن تركناه لهي السوءة. وأراك تتكلم عنه، وما أظنك إلا قد تبعته. فسكت نعيم وقال: ارجع إلى بيتك فأقم أمره. فقال: وأيُّ أهل بيتي اتَّبَع محمدا؟ قال: فاطمة أختك وختنك سعيد بن زيد. قد والله أسلما. فقال عمر: أراك والله صادقا. إن سعيدا قد نزع إلى ما كان أبوه يدين به من خلاف قومه وترْكِه أكل ذبائحهم وحضور أعيادهم. فمضى عمر يريدهما. قال نعيم: وندمت على إخباري إياه بما أخبرته به وأني لم أطو أمرهما عنه كما طويت أمر نفسي. وكان عمر قد رأى خَبّابًا يختلف إليهما. قال: فدخل عمر على أخته وزوجها، وعندهما خباب، ومعه صحيفة فيها سورة "طه"، وهو يقرئهما إياها. فلما سمعوا حسّه تغيب خباب رضي الله عنه في مخدع لهم في البيت، وأخذت فاطمة الصحيفة فجعلتها تحت فخذها. فلما دخل عمر قال: ما هذه الهينمة التي سمعتُ؟ قالا: ما سمعتَ شيئا. قال: بلى والله. لقد بلغني أنكما تابعتما محمدا على دينه. وبطش بختنه سعيد، فقامت فاطمة لتكفه عنه فضربها فشجها. فلما فعل ذلك قالت أخته وختنه: نعم والله لقد أسلمنا وآمنا بالله وبرسوله، فاصنع ما بدا لك. فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع ورقَّ وارعوى، وقال لأخته: هاتي الصحيفة لأنظر ما هذا الذي جاء به محمد. وكان عمر كاتبا. فقالت: لا أفعل حتى تغتسل، فإنه كتاب لا يمسه إلا طاهر. فاغتسل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير