وددت لو علمنا الفرق بين المبررات التي جادل بها اليهود القرآن في حرمة الربا في عصر النبوة، والمبررات التي اعتمد عليها شيخ الأزهر في نسخ حرمته اليوم.
فلقد استخف اليهود آنذاك بالآيات التي حرم الله فيها الربا قائلين: هل هو إلاَّ عقد رضائي كالبيع، يستثمر به المقترض ماله، وينال به المقرض أجره؟ وضربوا لذلك مثلاً بربا بني عبد المطلب وبني عوف بن عمرو، وأغنياء ثقيف. وقد كانت تبلغ قروضهم عشرات الآلاف من الدراهم، وربما بلغت ((ألف ألف)) على حد تعبيرهم في ذلك العصر.
إن شيخ الأزهر يكرر اليوم المبررات ذاتها، معيداً كلام اليهود لرسول الله: إنها عقود استثمارية لا تخرج عما تهدف إليه عقود البيع والشراء إذ تُبْتَغَى التجارةُ بهما. ولقد أجاب البيان الإلهي اليهود وكل من ينهج نهجهم وينسج على منوالهم إلى يوم القيامة، بقراره المنزل من علياء الربوبية، والذي يتسامى فوق لغو اللاغين ودجل المخادعين: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة: 2/ 275].
وإنني لأجزم أن شيخ الأزهر لا يعلم - وهو يكرر اليوم حجة اليهود بالأمس - أي فرق بين الأصل الذي قاله اليهود بالأمس وفرعه اليوم، ولا بين الصوت آنذاك، وصداه اليوم.
ثم إنا لنسأل شيخ الأزهر وعليه أن يجيب:
ما الربا الذي بقي محرماً، بعد النسخ الذي مرت به يده على كل ما حرم الله من ربا القرض؟
لقد روى ابن ماجه والنسائي والبيهقي وأحمد من حديث أبي هريرة أن رسول الله قال: ((يأتي على الناس زمان يأكلون فيه الربا، فمن لم يأكله أصابه من غباره))، إن كلام رسول الله هذا يدلّ على أن الناس اليوم متورطون في أكل الربا، والذين يتورعون ويحتاطون في الابتعاد عنه، لا بدّ أن يتسرب إليهم من غباره.
أما حكم شيخ الأزهر هذا، فإنما يدلّ على أن الناس كلهم منزهون - في ظل تعاملهم مع البنوك - عن الربا، وعلى أن بوسعهم أن يطمئنوا إلى أنهم مطهرون من أرجاسه.
فأيهما المصدَّق: شيخ الأزهر، أم رسول الله؟ ..
* * *
كان بوسعك أيها الشيخ أن تتعامل مع البنوك الربوية ما طاب لك ذلك، وأن تأكل من فوائدها إلى حدّ التخمة، دون أن تحلل حراماً أو أن تعبث بحكم راسخ قضى به الله، وأغلب الظن أن في عفو الله وصفحه ما قد يتغمد لك هذه السيئة.
ولكنك أبيت إلا أن تغطي معصيتك السلوكية الشخصية بمبرر أنت تعلم يقيناً أنك متقول في نسجه واختلاقه، ثم لم تكتف بذلك حتى دعوت الناس جميعاً إلى أن ينهجوا نهجك، وأن ينحطوا في المحرم الذي بررته لنفسك! ..
فما الذي دعاك إلى هذه الجرأة على الله وأنت غني عنها؟
إن الذي جرّأك على الله في ذلك، الوسواس الذي أوحت به إليك زبانية اليهود في أمريكا، عن طريق الذين نصّبوك شيخاً للأزهر، والأمر لم يعد سرّاً، وخبيئته الأمس غدت فضيحة اليوم.
فهذا هو الذي أخرجك من دائرة الصمت خلال العقود الماضية، عن بيان هذا الذي فاجأت الناس باكتشافه اليوم.
ولكن فلتعلم أن المسيحية المتهودة في أمريكا، أتفه من أن تقضي على شرائع الله وأحكامه، وإن جندت لذلك الأزهر ومشيخته.
ولتعلم أن شبكة البنوك اللاربوية سيمتد نسيجها حتى تعم عالمنا العربي والإسلامي، وتطهره من آفات الربا ورجسه. ومهما تنطع متنطعون فقالوا: هذه مثل تلك، فإن جواب الله لهم بالمرصاد: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة: 2/ 275].
ولئن استطعت أن تنسخ بلسانك حرمة الفائدة الربوية بالمبررات التي أعدت بها كلام اليهود إلى الأسماع، فلن تقوى لا أنت ولا الذين سخروك لأداء هذه الخدمة، على طيّ هذا الكلام الرباني من القرآن:
{يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 2/ 278 - 279].
نسأل الله أن يجنبّنا هذه الحرب وأسبابها.
ـ[يحيى صالح]ــــــــ[26 Sep 2008, 10:20 م]ـ
حسنًا أخي الكريم
أراك لم تأتِ بـ (نص) من شيخ الأزهر، بل من (موقع) البوطي!!!
ثم لا أرى هنا - أيضًا - أن شيخ الأزهر يقول بحرمة - أو ربوية - هذه المعاملات، ثم هو يقول بأنها حلال.
أقصى ما هنالك هو أنه لم يقل بحرمتها، تستطيع القول بإنه مخطيء في اجتهاده مخالف لمن سبقه من العلماء، لكنه لم يصل للقول بربويتها و حِلِّها.
كل الكلام عن:
هل قال شيخ الأزهر إن هذه المعاملات (ربا) و إنها (حلال)؟
ليس الكلام عن قوله: هي (حلال)، أو هي (حرام)، فتأمل.
أرجو الفصل ممن يتكلم بين المسألتين، فشتَّان بينهما.
ـ[عمر عبد الفتاح خضر]ــــــــ[27 Sep 2008, 12:05 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحق أحق أن يتبع أخى يحيى صالح، وإن لم تكن تصدقنى فأنت حر ولكني لم أختلق كذباً على شيخ محترم يحمل شعار أكبر مؤسسة علمية دينية على وجه الأرض ـ فأنا أشهد بأنني رأت عيناي وسمعت أذناي ما قاله أ. د. الطنطاوى على برنامج البيت بيتك مع الأستاذ محمود سعد، فكتبت مستبينا ومستنيرا لا قادحا ولا مادحا، ولا مستشيرا وهذا الموضوع نشر وانتشر وذاع وشاع في الآفاق فلا عليَّ إن لم أزد عما قلته وأنت حر فيما تراه، وليس مع العين أين!!!!
وكما قال الشاعر: وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل.
وأؤكد مرة ثانية أنني لم أربَّى على الرجم بالغيب كما لا أرمى أحدا بغيا أوعدوا والله أعلى وأعلم، وهو وحده الذي يحق الحق ويبطل الباطل، ويحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون وبالله التوفيق
¥