تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فانظُرْ كم كان عمرُ زُرارةَ وكم كان بين موت زُرارة ومولدِ النبي عليه الصلاة والسلام فإذا استظهرنا الشعرَ وجدنا له إلى أن جاء اللّه بالإسلام خمسين ومائةَ عام وإذا استظهرنا بغاية الاستظهار فمائتي عام.»

وممّا قاله الأستاذ شوقي ضيف في تعريف الجاهلية: «وينبغي أن نعرف أنّ كلمة الجاهلية التي أطلقت على هذا العصر ليست مشتقة من الجهل الذي هو ضدّ العلم ونقيضه, إنّما هي مشتقة من الجهل بمعنى السفه والغضب والنزق فهي تقابل كلمة الإسلام التي تدلّ على الخضوع والطاعة لله جلّ وعزّ .... وقد أخذت تطلق على العصر القريب من الإسلام أو بعبارة أدقّ على العصر السابق له مباشرة ... »

النقد الأدبي في العصر الجاهلي:

إنّ الحديث عن النقد الأدبي في عصر الجاهلية يختلف عن غيره من العصور من حيث إنّ أول مباحثه إنّما يتعرض لوجوده أصلاً إذ يزعم بعض النقاد والمؤرخين أنّ العصور العربية الأولى تخلو من النقد والمنصفون منهم إنّما يقصدون به النقد المنهجي بقوانينه التحليلية الموضوعية وقواعده التفكيكية العلمية.

والحقيقة أنّ وجود النقدِ , أصلِ النقد مسألةٌ لا ينبغي الاختلاف فيها فضلا عن نفيها أو الشكّ فيها لأمرين اثنين:

أوّلهما: إنّ وجود الأدب في مثل تلك المرتبة العلية من الإبداع والرقيّ وبذلك الزخم والحجم الكبير دليل كافٍ على وجود نقدٍ ساير هذا الأدب ووقف إلى جانبه يقوّمه ويوجّهه حتى وصل به إلى ما وصل إليه ...

ثانيهما: إنّ الإنسان ناقد بطبعه متذوق بفطرته يطالب دائما بالأحسن والأجمل والأجود والأمثل في شؤون حياته كلّها ولن يشذّ الشعر والأدب عن هذا المبدأ ... إنّ قراءة الشعر وسماعه تقتضي ولا بدّ تذوقَه ونقدَه وخاصة إذا كان ذلك من عارف بالشعر كالشاعر نفسِه أو راويتِه وما أكثرهم في عصر الجاهلية

هذا من جهة نفي وجود أصل النقد أمّا نفي النقد المنهجي العلمي الموضوعي بقوانينه المعروفة وأساليبه ومناهجه المشهورة في عصر الجاهلية فإنّ من يزعم ذلك إنّما يريد تسليط اصطلاحات حادثة على تراث فكري قديم أو إنّما يريد محاكمة فترة زمنية غابرة بأعراف معاصرة وليس هذا من البحث العلمي المنهجي ولا من الدراسة الموضوعية الجادّة في شيء , فالذي ينبغي الإقدام عليه في مثل هذه الدراسات هو البحث في خصائص ومميزات النقد الأدبي في عصر الجاهلية في إطاره الزمني والمكاني بعيدا عن تأثير الاصطلاحات الحادثة والأعراف المعاصرة.

بعد أن فرغنا من الحديث عن وجود أصل النقد في عصر الجاهلية وعن منهجية دراسته لننتقل الآن إلى المرحلة الثانية من هذه الورقات لننتقل إلى دراسة خصائص هذا النقد والبحث في سماته وميزاته:

أوّلا مستويات النقد في البيئة الجاهلية: إنّ التأمّل العميق و المتأنّي فيما ورد إلينا من نماذجَ للنقد في العصر الجاهلي على قلّتها ـ مقارنة بالأدب ـ يعطينا نظرة إجمالية وفكرة عامة على ما كان عليه النقد الأدبي يومها ... فهو ابتداء يتجلى ويظهر في مستويات ثلاث:

1) المستوى الأوّل النقد الذاتي: ويقصد به نقد الشاعر لنفسه وتهذيبه لقصيدته كيف لا والشاعر هو أكثر المحتفلين والمهتمين بتجويد شعره حتى يُرضي الجمهور المتلقي للشعر ويستقطب إليه أكبر قدر ممكن من الرواة والمعجبين , ولعل أبرز نموذج يمثّل هذا النوع من النقد هو ما اصطلحوا عليه باسم المدرسة الأوسية أو عبيد الشعر وأشهر رواد هذه الطائفة من الشعراء زهير بن أبي سلمة الذي كان يستغرق في تهذيب شعره وإعادة النظر فيه سنة كاملة قبل أن يخرج على الناس بقصيدته كاملة مكتملة ... ولهذا السبب سميت قصائده بالحوليات وكان الأعشى فيما يروى عنه يجوب أحياء العرب وقبائلها ينشد الشعر مستعينا بآلة موسيقية تدعى الصَّنْج وما يفعل ذلك إلاّ احتفالا بشعره ورغبة في جلب المثنين والمعجبين ولابدّ أنّه كان ـ من باب أولى ـ يصنع بشعره ويختار منه ويزيد وينقص فيه ما يحقق له هذا الهدف والمبتغى ...

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير