تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

2) المستوى الثاني النقد الخاص ... وهو النقد الذي نشأ بين طائفة خاصة من المجتمع العربي على رأسهم الشعراء أنفسهم يقول الدكتور مصطفى عبد الرحمن: «ولد النقد الأدبي مع مولد الشعر ونشأ معه وهذا أمر طبيعي فإنّ الشاعر ناقد بطبعه , يفكر ويقدر ويختار ولهذا كان أقدر من غيره على فهم الصنعة الشعرية وعلى إدراك أسرار القبح أو الجمال.» وأبرز شاهد ها هنا النابغة الذبياني فقد كان شاعرا فحلا وناقدا فذّاً ومثله جلّ الشعراء فمعرفتهم للشعر من جهة وتنافسهم فيما بينهم من جهة أخرى يدفعهم إلى إصدار أحكاما نقدية من شأنها أو توجّه الشعر وتهذّبه ... فممّا يروى عن نابغة بني ذبيان أنّه كانت تضرب له خيمة من أدم حمراء في سوق عكاظ يجتمع إليه فيها شعراء العرب يعرضون عليه شعرهم وممّن عرض عليه شعره فأشاد به وأثنى عليه الأعشى ثمّ دخلت عليه الخنساء فأنشدته: قذى بعينك أو بالعين عوارُ ..... إلى أن قالت: وإنّ صخرا لتأتم الهداة به كأنّه علم في رأسه نارُ وإنّ صخرا لمولانا وسيّدنا وإنّ صخرا إذا نشتو لنحار فقال لولا أنّ أبا بصير أنشدني قبلك لقلت: إنّك أشعر الناس أنتِ والله أشعر من كلّ ذي مثانة , قالت: والله ومن كلّ ذي خصيتيين. فقال حسان: أنا والله أشعر منكَ ومنها. قال: حيث تقول ما ذا؟ قال: لنا الجفنات الغرُّ يلمعن بالضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما وَلدْنا بني العنقاء وابنيّ محرّقٍ فأكرم بنا خالاَ وأكرم بنا إبنما فقال: إنّك لشاعر لولا أنّك قلّلت عدد جفانك وفخرت بمن ولدتّ ولم تفخر بمن ولدك , وفي رواية أخرى: فقال له: إنّك قلت (الجفنات) فقلّلت العدد ولو قلت (الجفان) لكان أكثر وقلت (يلمعن في الضحى) ولو قلت (يبرقن في الدجى) لكان أبلغ في المديح لأنّ الضيف بالليل أكثر طروقا. وقلت (يقطرن من نجدة دما) فدللت على قلّة القتل ولو قلت (يجرين) لكان أكثر لانصباب الدم وفخرتَ بمن ولدتَ ولم تفخر بمن ولدكَ. فقام حسان منكسراً. اهـ شاهد آخر للنقد الخاص بين الشعراء ما يروى من تحاكم علقمة بن عبدة التميمي والزربقان بن بدر وعمرو بن الأهتم والمخبل السعدي إلى ربيعة بن حذار الأسدي فقال لهم: أما أنت يا زبرقان فإنّ شعرك كلحم لم ينضج فيؤكل ولا ترك نيّئا فينتفع به. وأما أنت ياعمرو فإنّ شعرك كبرد حبرة يتلألأ في البصر فكلّما أعدته فيه نقص , وأما أنت يا مخبّل فإنّك قصرت عن الجاهلية , وأما أنت يا علقمة فإنّ شعرك كمزداة قد أحكم خرزها فليس يقطر منها شيء. اهـ فهذه النماذج تمثل ظاهرة التنافس بين الشعراء والانتقادات التي كانوا يوجهونها لبعضهم البعض سواء من خلال التحاكم كما هو ظاهر ها هنا أو من خلال التنافس المطلق التي تقتضيه طبيعة البشر وحبهم للتقدّم والتكاثر في كلّ شيء كما قال سبحانه وتعالى {ألهاكم التكاثر} وتقتضيه أيضا طبيعة الحياة العربية البدوية القائمة أساسا على العصبية القبائلية .... هذا من جهة طائفة الشعراء والأدباء وهناك طائفة أخرى تندرج في هذا الإطار هي طائفة الملوك والأمراء والوجهاء فقد كان لهم دورهم البارز في تهذيب الشعر ونقده من خلال أرائهم في جزء عظيم منه هو الجزء المتمثل في المديح الذي كان ينهال عليهم والأشعار التي كانوا هم موضوعها وسببها ـ وما أكثرها ـ فإنّ عطاءهم كان ولا بدّ يختلف من قصيدة لأخرى سواء كان هذا الاختلاف مبنيّ على أسس أدبية فنّية جمالية بحثة أو على أسس موضوعية متعلقة بذات الممدوح وهذا الاختلاف في العطاء يغلب على الظنّ أنّه كان معللا أو على الأقلّ معروف العلّة ممّا يستدعي الشاعر إلى تهذيب قصيدته وفق هذه التعليلات التي تجلب له الكسب والعطاء ...

3) المستوى الثالث النقد العام: والمقصود به نقد جماهير العرب وعامتهم. فالمعروف عن العرب أنّهم أهل البلاغة والفصاحة والبيان كانوا يتذوقون الأدب بفطرتهم وسجيتهم وكانوا ولوعين شغوفين بالشعر خاصة ... ولا بدّ أنّ هذه العامة كان لها ذوق خاص واتجاه محدّد في الشعر وقوالب معيّنة تنجذب نحوها أكثر من غيرها ... ومن شأن هذا الذوق أن يقيّد الشعراء والأدباء فينشدوا فيه وفق ما تحبه وتطلبه الجماهير وهذا ما يدفعهم لتهذيب شعرهم بما يساير هذا الذوق العام يقول الأستاذ الدكتور شوقي ضيف في حديثه عن عامة العرب الذين كانوا يستمعون لشعر الأعشى الذي كما تقدم ذكره يطوف

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير