تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

8. تأثير العصبية القبلية: لا شكّ أنّ الجو العام الذي كان يسود البيئة العربية ويعمّها سيؤثّر ولا بدّ في النقد الأدبي ولعل أبرز ظاهرة اتّسم بها هذا العصر هي العصبية القبلية وما صاحبها من تفاخر وتنافر. ولهذا قال ابن سلاّم الجمحي: إنّ القبائل قد قالت بأهوائها ... ويقول الأستاذ قصي حسين: " ... كثيرا ما كان النقد في العصر الجاهلي متأثراً بهوى الناقد الذي كانت روحه المشبعة بالنزعات العصبية أو القبلية وبالأهواء الشخصية في التمدّح أو الذمّ ... " اهـ

9. التعرض لأمور خارجة عن النّص: غالبا ما كان الناقد إنّما يتعرض لأمورٍ خارجة عن النّص كما فعل أحيحة بن الجُلاح مع ناقة الشماخ وكما فعلت أمّ جندب مع فرسي أو ناقتي زوجها وعلقمة ...

خامسا: تقييم النقد في العصر الجاهلي:

لنبدأ أوّلاً بنقل بعض أحكام أهل العلم والاختصاص متعلقة بالنقد الأدبي في العصر الجاهلي وتقييمه على العموم

يقول الأستاذ شوقي ضيف: " ... على أن لا نبالغ في تصوّر نقدهم فقد كان كما تشهد نصوصه نقد ذوق فطري بسيط" اهـ

ويقول الدكتور مصطفى عبد الرحمن: " ... ومن هنا وجد النقد الأدبي في الجاهلية ولكنه وجد هينا يسيرا ملائما لروح العصر ملائما للشعر العربي نفسه فالشعر الجاهلي إحساس محض أو يكاد والنقد كذلك كلاهما قائم على الانفعال والتأثر فالشاعر مهتاج بما حوله من الأشياء والحوادث والناقد مهتاج بواقع الكلام في نفسه وكل نقد في نشأته لا بدّ أن يكون قائما على الانفعال بأثر الكلام المنقود. والنقد العربي لا يشذ عن تلك القاعدة بل هو من أصدق الأمثلة لها , فالعربي حساس رقيق الحس تنال الكلم من نفسه ويحتاج لها اهتياجا فإذا حكم على الأدب حكم عليه تبعا لتأثره به وبمقدار ذلك التأثر هو يحكم على الأدب ببلاغة الأدب ويحكم عليه بالنظرة العجلى والأثر السريع." اهـ

ويقول الأستاذ قصي حسين: " ... هو مجرد آراء عفوية انطباعية ذات طبيعة نقدية هدفها تصوير ما يجول في نفس الناقد إزاء الشعر نفسه حتى يكون أكثر غنطباقا للصورة المتوخاة وقد كان هذا النوع من النقد العفوي الانطباعي هو السائد في المرحلة التأسيسية للنقد النموذجي ذي الطبيعة المدرسية فيما بعد.

وهناك نماذج نقدية مشابهة , تعود بجملتها إلى العصر الجاهلي وهي إنّما تتحدث عن شؤون خارجة عن الشعر نفسه , أو هي جزئية فيه إنّها شؤون تكاد تكون متّصلة بالعرف أو بالمعارف التي يتضمّنها الشعر أو بلفظة معجبة هنا ولفظة معجبة هناك أو بيت محكم المعنى والسبك أو بيت مفكك في صورته ورديء في معناه. " اهـ

إنّ الحكم على النقد الأدبي في العصر الجاهلي وتقييمه ينبغي أن يتمّ من خلال أمرين اثنين الأوّل بيان خصائصه وميزاته وقد تمّ في المباحث المتقدمة ولعل الأحكام الثلاثة المتقدمة تنصب في هذا المجال

والثاني محاولة معرفة هل أدّى النقد الأدبي في العصر الجاهلي دوره المناط به وغايته الموكولة إليه؟

إنّ دور النقد الأدبي وغايته مهما قيل فيها قديما وحديثا لا تخرج عن أربعة أمور هي:

1. دراسة النصّ الأدبي: من جوانبه الثلاث: الشكل , المضمون , وصاحبه

2. مساعدة القارئ على فهم النّص وتذوّقه

3. الحكم على النصوص الأدبية وبيان جيّدها من رديئها

4. توجيه الأدب وتطويره

والناظر المتأمّل في الشواهد والنماذج النقدية التي وصلتنا ـ على قلّتها ـ يعلم يقينا أنّ النقد الأدبي قد أدّى دوره غاية الأداء وبلغ هدفه غاية البلوغ ...

ألم يرتقي بالأدب إلى أسمى مراتبه حتى قيل أنّ أفضل ما قالته العرب إنّما قالته في جاهليتها ويؤيّد هذا الزعم أنّ القرآن الكريم نزل في بيئتهم وعصرهم يتحدّاهم في ميدانهم الذي برعوا فيه ... وأبلغ ما يكون التحدّي مع قومٍ فاقوا غيرهم في صناعة الكلام ...

ألم يحكم نقاد الجاهلية على أدبهم فميّزوا بين جيّده ورديئه وصنفوا قصائدهم ورتّبوا شعرائهم أليسوا هم أوّل من أبان عن درر الأدب العربي باختيارهم المعلقات السبع ...

ثمّ ألم يساعد النقد الأدبي الجاهلي متمثلا في ظاهرة الرواة الإنسان العربي البسيط في الوصول إلى عيون أدبهم وفهمها وتذوقها ...

ثمّ هذه الشواهد المتنوعة أليس مظاهر من مظاهر دراسة النّص الأدبي لكن وفق حاجيات الإنسان الجاهلي ...

والخلاصة أنّ النقد الأدبي في العصر الجاهلي على بساطته وإيجازه وقلة تعليل أحكامه بالمقارنة مع النقد الحديث فإنّه كان نقدا مناسبا لبيئته متوافقا معها مستجيبا لمتطلباتها ارتقى بالأدب إلى أسمى مراتبه فنعم النقد كان ... والله أعلم بالحق والصواب

(انظر هوامش البحث هنا ( http://arabicals.blogspot.com/2010/12/blog-post.html))

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير