3. عدم التعليل: أي أنّ الناقد الجاهلي كان يصدر أحكامه بالاستحسان أو الاستهجان دون أن يلزم نفسه بتعليل هذه الأحكام وبيان وجه استحسانه أو استهجانه للنّص الأدبي ... ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك حكومة ربيعة بن حِذار الأسدي بين الشعراء الأربعة ومنه مفاضلاتهم وتصنيفاتهم للشعر والشعراء وتقديماتهم لبعضهم على بعض دون بيان لعلّة أو سبب يقول الأستاذ قصي حسين: «لا يضطر الناقد للتعليل أو التفسير في نقده وهو إذا اضطرّ للتعليل أو التفسير فإنّما نراه كثير الإيجاز من جهة وفي غاية البساطة والوضوح من جهة أخرى»
4. الإيجاز: يقول الدكتور مصطفى عبد الرحمن: «ونعني به أنّ الناقد كثيرا ما يغلف حكمه النقدي بعبارة موجزة يفهم منها ما يراد ولكن دون شرح أو تفصيل , وذلك يتّضح من نقد طرفة لشعر المتلمس السابق , حينما قال: "استنوق الجمل" فهذه عبارة موجزة تحمل حكما نقديا عيب به على شعر المتلمس الذي وصف الجمل بسمة الناقة.» ويقول الأستاذ قصي حسين: « ... انّ معظم النماذج النقدية التي وصلتنا من العصر الجاهلي إنّما كانت تتصف بالإيجاز الشديد والتركيز على ناحية معيّنة من نواحي القصيدة والاكتفاء باللمحة المقتضبة أو الإشارة السريعة التي تدلّ على استحسان الشعر أو بغضه ومقته.»
5. تحكّم العرف: أي أن عرف العرب والذوق العام هو المعلم الرئيس في النقد الجاهلي كلّ ما وافق العرف فهو حسن وكلّ ما خالف هذا العرف والذوق العام فهو القبيح يقول الأستاذ شوقي ضيف: « ... وقد اندفع الشاعر يحاول إرضاء هذا الذوق وأن يقع منه موقع استحسان. وربما كان ذلك السبب الحقيقي في وقوفه بشعره عند موضوعات بعينها , بل عند معان وألفاظ بعينها حتى ليقول زهير:
ما أرانا نقول إلاّ مُعارا أو مُعادا من لفظنا مكرورا
فهو مقيّد بأسلوب فني يتبعه ويقلّده , وهو لا يستطيع أن ينحرف عنه , فلابدّ له حين ينظم قصيدة أو مطولة أن يستهلها بالبكاء على الديار والأطلال ثم يتحدث عن رحلته في الصحراء ويصف في أثناء ذلك ناقته , ثم يخرج إلى غرضه من مديح وغير مديح وهو لا يصنع ذلك حرّاً , فلا بدّ له من التمسك بالمعاني والصيغ الثابتة التي يدور فيها الشعراء من قبله ومن حوله , حتى لا ينصرف جمهور السامعين عنه وحتى يبلغ من التأثير فيهم ما يريد.»
6. الروح الشعرية في النصوص النقدية: المقصود ها هنا أنّ الناقد الجاهلي كان يصدر أحكامه في قوالب فنّية بديعة وبأساليب بيانية راقية فقد كانوا يحسنون ويجيدون الإعراب عن تأثّرهم بالنّص و الإفصاح عن إعجابهم به ... وانظر بإمعان إلى أحكام ربيعة بن حِذار الأسدي بل استمع جيّدا للكلمة الوجيزة التي صارت مثلا يضرب (استنوق الجمل) يقول الأستاذ قصي حسين: «ولشدّة اشتقاق النقد من الشعر وشدّة اتّصاله به كاد النقد في العصر الجاهلي ... أن يكون قريبا في الروح من بعض الأغراض الشعرية فهو يعيب على الشاعر قوله كأنّه يهجوه كما يثني على الشاعر الآخر كأنّه يمدحه ... »
7. النقد الفطري: الذي يعتمد على ذوق الشاعر وعلى سلامة سليقته يقول الأستاذ قصي حسين: "ولا شكّ أنّ العربي كان يحسّ بأثر الشعر إحساسا فطريا وعفويا بعيدا كلّ البعد عن التعقيدات وأنواع التعليل والتبرير , إنّه يتذوقه جبلّة وطبعا , أما حكمه على الشعر فهو يستند إلى ذائقته الأدبية وحسن سليقته وبالاعتماد على ذلك يتمّ الحكم على الشعر والشعراء ... " اهـ ويقول الدكتور مصطفى عبد الرحمن: "إنّ طبيعة الأحكام النقدية في العصر الجاهلي اتّسمت بالذوق الفطري فلم تكن للنقد أصول معروفة ولا مقاييس مقررة , بل كانت مجرد لمحات ذوقية ونظرات شخصية وتقوم على ما تلهمهم به طبائعهم الأدبية وسليقتهم العربية وأذواقهم الشاعرة وحسهم اللغوي الدقيق بلغتهم وإحاطتهم بأسرارها ووقوفهم على ما للألفاظ من دلالات وإيحاءات في شتّى صورها " اهـ
¥