تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولئن عمدت المدارس السياسية رشف ما يُمْلى عليها لتحديد وجهتها وفق ضوابط تتماشى ومقتضيات الفكر الذي اصطفاه سياسيوها، فكيف بنا لا نمد يد الضراعة إلى الله العلي الكبير ليلهمنا الصواب والرشاد ويسدد الخطى ويثبت الأقدام؟

والناقد البصير بما تمليه عليه وظيفته في الأمة من توجيه وإرشاد لهو في أمس الحاجة إلى فقه السنن الإلهية للإلمام بكيفية جريان الأمور في دنيا الناس حيث ابتلاهم الله بالخير والشر فتنة.

وهنا تطل علينا نظريات العلوم السياسية، والتي ينبغي علينا الإحاطة بها لكوننا لا نعذر بجهلها من جهة، ومن جهة ثانية لنزداد ثباتا ورسوخ يقين على كلام ربنا (((أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً))) [النساء: 82].

صبغت العلوم الإنسانية العلوم السياسية بكونها "فن الممكن"، وبهذا أخرجتها من دائرة العلوم ليعرب لسان حالها على عجزها عن الإلمام بترابط عوامل الصراع السياسي، وتترك مكانها للسنن الإلهية التي جاءت وفق عهود ربانية لا تحيد، ولا تتبدل ولا تتغير، فكلما بدت مقدماتها جزم المرء بنتائجها النهائية، بحيث جاءت على شاكلة المعادلات الرياضية، وبهذا يمكنها دخول مجال العلوم من أوسع أبوابه.

فشتان بين تخمين وخرص لنظريات تتبناها الصهيونية العالمية وتناصرها خدمة لأغراضها الآنية، وبين يقين لا يتزلزل ولا يمكن تصور عكسه مهما قوت الشكوك وبلغت درجات التشكيك.

النقد الأدبي في جانبه الشكلي:

والناقد الحكيم يعزف في شكل كتاباته على أوتار عدة أذكر منها:

1 - زوجية البناء المتكامل

2 - لون الخطاب وتوظيفه لغرض النص؛

3 - لون القول الذي تتبرج زينته في تسعة عشرة أزواج متقابلة؛

4 - لون الأنماط والأجناس المتدخلة؛

5 - الصبغة الثقافية السائدة في الأوساط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

1 - زوجية البناء المتكامل:

جعل الله من سننه في هذا الكون من كل شيء زوجين ليكتمل البناء وتستمر الحياة نامية، والأديب هو أول من ينبغي له العناية بتسطير خطوط فنه على قواعد مزدوجة الأركان متكاملة البنيان في رؤية متسقة تشد الانتباه، وتثير خلجات الضمير ...

2 - لون الخطاب:

وسواء أكان الخطاب عقليا، أم دغدغة للمشاعر القلبية، أم عبرا للبصيرة النيرة؛ ليترنم سيمفونيته بما تقتضيه الحكمة وفصل الخطاب: فلكل لون رواقه، وتتآزر الأروقة لتشد على يد بعضها البغض في تكامل وانسجام لا تضارب فيه ولا تناقض يعتريه.

2 - لون القول:

فالقول في القرآن الكريم تعددت ألوانه وتنوعت وجاءتنا في تسعة عشرة أزواج متقابلات في خطى ممتناغمات، وللعدد دلالته على تعدادحروف البسملة، مبينا بأنها من عند ربها جاءت، إذ ما اتسعت هذه الأنماط وتكاثرت إلا في كتاب الله مما يمدنا بذخيرة متكاملة لدراسة شكل المقال أو الكتاب.

3 - لون الأنماط والأجناس المتدخلة

مهما تنوعت علوم الكتابة وأشكالها والتي رموها " بالفنون" جراء قصر نظرهم؛ إذ ليس لعملهم ضابط بميزانه الدقيق يقيم صرحا للغة القرآن بخاصة ولغيرها عامة، ويقوم النقص بعرضها على شمولية أنماطه واختلاف أجناسه غير كتاب الله الذي جاء ليظهر الدين بوسطيته على غيره من القوانين والأنظمة.

وسواء تجلت الكتابة الأدبية في مقال أو قصة أو شعر أو مسرح أو رواية، فقلما نجد تنوع ألوان المتدخلين تتآزر في تكامل القرآن وشموليته مما يسمح للناقد بتركيب خطوط إنارته لإضاءة جوانب مظلمة أغفلها الكاتب في لوحته على وفق ما اقتضته شمولية القرآن.

وتمثل هذه النظرة الشمولية منهجا علميا متكاملا يوحي وحيه للقاصرين ليرتقوا إلى عليائه وليترنموا سيمفونيته في تمامها وكمالها.

الصبغة الثقافية السائدة:

عمد القرآن الكريم إلى رسم صورة عن الأوضاع السائدة في الأوساط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لبيئة التنزيل. وهكذا رسمت سورة قريش صورة لهذه الروابط التي اقتضت التآزر والتعاون بين القريشيين لمصلحة المجتمع، وأرشدهم سبحانه وتعالى إلى عبادته؛ إذ هو الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، وهذا يقتضي منا تحليل واقعهم لكون أفعال الله لا تتأتى إلا جزاء وفاقا، فقد عملوا ما استحقوا به الأمن من الخوف، والإطعام من الجوع.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير