تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وإذا ما تدبرنا حلف الفضول الذي عقدته قريش فيما بينها وتعاقدت على أن لا يجدوا في مكة مظلوما من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته [1] ( http://www.tafsir.net/vb/#_ftn1)، فضلا عن حلف المطيبين، أدركنا سر الذي استحقوا به تأييد الله بالإطعام من الجوع والأمن من الخوف.

وفي مجتمع المدينة جاءت سورتي التوبة والمنافقين تصف من أراد تأجيج نار الفتن بين الأوس والخزرج كما كانت على عهد الجاهلية [2] ( http://www.tafsir.net/vb/#_ftn2).

النقد في جانب مضمونه:

إن ما يتيحه جانب الشكل من تشريح لعناصر النص بألوانها وأصنافها وأشكالها، يفتح شهية نقد المضمون على مصراعيه، فضلا عما يزخر به من معطيات المضمون تزيد النقد كمالا.

عوامل نقد المضمون:

بناء على قوله تعالى: (((مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ))) [فصلت: 43] يتضح بأن فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لها ولا تغيير يعتريها، وصارت الأقوال قوانين تمضي على نسق ووفق معايير

(((وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ))) [البقرة: 113]

(((وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ))) [البقرة: 118]

1 - ينطلق نقد الفكر البشري ويبتدئ من زاوية التناقض والتضاد: (((أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً))) [النساء: 82]

ما كان لكاتب يحترم نفسه أن يأتي بمقال اختلفت أدلته وتباينت حججه، وما كانت المنهجية العلمية لتسمح ببروز أفكار شاردة من هنا وأخرى تائهة من هناك ...

والكتابة تعتريها أحوال الكاتب من فرح، وترح، وحزن، وأسى، وحب، وبغض، وكره، ... والإسلام في كل أحواله اصطفى الوسطية سبيلا ومنهجا، وعرض أفكار الكاتب بملابسة أحوالها على وسطية الإسلام تترك مجالا بارزا في كشف بعده أو قربه من الصواب.

ووسطية الإسلام تكمن وسطا بين رذيلتين، مثلا فالبخل رذيلة والتبذير رذيلة أخرى تناقض البخل، ووسطية الإسلام اقتضت إنفاق من غير تقتير ولا تبذير.

2 - السعي للبحث عن سيمياء الأشخاص والأجناس بالحفر في غياهب النيات انطلاقا من قوله تعالى (((وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ))) [محمد: 30]

ومثلا: ففي قوله تعالى: (((قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ))) [يوسف: 17] فتعقيبهم بقولهم {وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} فاح برائحة كذبهم وهو لحن رفع اللبس ولم يدع مجالا للشك.

3 - قد يأتي الكلام على صفة تنبئ بكونه حقا في اعتقاد الكاتب لكن للسنن الإلهية ضوابط صارمة لا تسعف تلويناته ولا تتموج مع أمواج كذبه فيضحي في العراء لا ستر عليه. والكذب " شجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار"، فكيف يريد لها ثباتا وقرارا؟ وبين صدق الصادقين وكذب الكاذبين معترك تتبارى فيه الكلمة الطيبة وتتمايز عن الخبيثة.

4 - وإذا أدركنا بأن الأولى أصناف شتى، والثانية ألوان تتناهى إلى السواد،- لا لتَسُود أقرانها وإنما لتُسَوِّد وجه صاحبها-، اتضح لنا مدى بعد البونين، وهو مجال جري الناقد البصير.

5 - لعذاب الضمير أخذ ليس باليسير، فكيف بهذا الشرطي إن جيّش الحواس وشق سبيله معلنها حربا لا هوادة فيها على صاحبه ...

6 - فالأديب من يسقي زائره من دلو قلبه من غير خدوش ولا تعكير ماء؛ وأحواله تتغير من حال إلى حال، والناقد الذي يسعى لتنسم نسماته يجد بصمات ألوانها ومنعطفات تضاريسها منثورة بين ثنايا نصوصه، يلتقطها التقاط الدرر الغاليات ليرسم بها لوحة أحواله، ونفسية مقاله.

تلك إذا أمارات وإشارات تنير السبيل وما على المرء إلا اقتحام الطريق والتوكل على الله، والله لا يخيب من رجاه. ويبقى الدعاء والتذلل بباب المولى موطنا نئوب إليه كلما أعوزتنا الحيلة، وتقطعت بنا الأسباب، جريا على سنة الحبيب، إذ كان كلما حزبه أمر فزع إلى الصلاة.

فهل لاح في أفق سمائك أرضية النقد العلمي التي لم يلمسها لامس وجاء بها كتاب الله وحده دون من سواه.

[1] ( http://www.tafsir.net/vb/#_ftnref1) - انظر القصة في سيرة ابن هشام وغيرها من كتب السير.

[2] ( http://www.tafsir.net/vb/#_ftnref2) - إشارة إلى قوله تعالى (((لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ))) [التوبة: 47] وقوله (((يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ))) [المنافقون: 8]

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير