تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولو كان يقصد التعريف الرسمي على القول بأن التركيب والقصد من لوازم الإفادة فيكون ذكر "مقصود" أيضا زيادة في الحد إذ قد استغني عنه بما فهمه المخاطب من لازم الإفادة فهي تفيد بدلالة اللزوم: التركيب الذي لم ينص عليه والقصد الذي نص عليه فلماذا كرره إذن منطوقا وقد أدركه السامع مفهوما من: "مفيد"؟.

فالشيخ محمد محيي الدين، رحمه الله، يستدرك على الإمام، رحمه الله، أنه بذلك قد جمع بين نوعي التعريف فعرفه أولا بالحد الرسمي، إذ لازم الإفادة: التركيب والقصد، فلو كان يريد ذلك لاكتفى بقوله: الكلام: لفظ مفيد. فقط، وهو ما فعله في "قطر الندى"، فعرف أنه أراد التعريف الرسمي باللوازم، ولو كان يريد التعريف بالذاتيات لذكر التركيب أيضا فقال: الكلام: قول مركب مقصود. دون ذكر الإفادة فهو بذلك قد مزج بين النوعين: الذاتي والرسمي، وهذا منتقد عند أصحاب الحدود، فالحد إما ذاتي وإما رسمي.

وقد يجاب عن ذلك، أيضا، بأنه لم يرد إلا تصور المخاطب للمعنى، فمزج بين الذاتيات واللوازم في سياق واحد كما يقع في أغلب الحدود، فمناط الأمر، كما تقدم مرارا، حصول الإفهام وما زاد فهو حشو يمكن الاستغناء عنه.

وهذا ما عابه المحققون من أهل العلم على من أفرط في استعمال هذه الحدود، إذ هي مما يستنفد طاقة العقل دون تحقيق نتائج مفيدة، فهو إفراط في الجانب النظري على حساب الثمرة العملية أو الفعلية، ولذلك كان المنهج التجريبي الذي امتاز به المسلمون وعرفوه قبل الغرب بقرون سبب تقدمهم المعرفي لأنه لم يشغلوا أنفسهم كثيرا بإدراك الحقائق كما هي، كما فعل الفلاسفة، وإنما اكتفوا بتصورها ثم شرعوا في استثمار جهدهم في استعمالها فيما خلقت له، تحقيقا للسنة الكونية، لا تعطيلا لها بالاستغراق في التصور دون نتيجة على أرض الواقع كما هو الحال في المثل الفلسفية العليا التي هي في حقيقتها أمور كلية مجردة في الذهن لا أثر لها في الخارج، فهي حبيسة أدراج العقل لم ينتفع بها في شيء على أرض الواقع.

فمن علامات صحة العقل المسلم أنه لم يعرج كثيرا إبان نهضته العقلية المباركة في القرون الفاضلة على هذا البحث النظري المجرد ذي الفائدة المحدودة أو المعدومة، ومن علامات مرض العقل اليوناني: تعريجه بل تقديمه لهذا البحث على البحث التجريبي الاستقرائي الذي يفيد العقل نتائج ملموسة لا مجرد تصورات معقولة لا أثر لها في الخارج.

وهذا البحث قد داخل كثيرا من العلوم الإسلامية:

فقد داخل علم أصول الدين أو العقيدة، وكان أحد أسباب ضلال بعض الفرق الإسلامية في مسائل كتعريف الإيمان فقد حدوه بالتصديق فقط، لأنهم جعلوا ذلك هو الحد الذاتي له، وجعلوا القول والعمل إما خارجا عنه بالكلية، وإما لازما له، فيلزم من الإيمان: القول والعمل ولا يدخلان في حقيقته الذاتية، فلا يصح إدخالهما في حده الذاتي لئلا يصير حدا رسميا وهو أضعف في الدلالة.

والصحيح أنهما داخلان في حده الذاتي فالإيمان دال عليهما: دلالة تضمن لا لزوم، فهما من أجزائه الحقيقية لا من لوازمه العارضة له.

ودخل في علم البلاغة في مبحث كالكناية التي هي في حقيقتها: تعريف رسمي باللازم لمراد المتكلم، فهي انتقال ذهني من الملزوم إلى لازمه، كمن يقول بأن تقليب الكف كناية عن التحسر والندم، فإن التحسر والندم ليسا داخلين في حقيقة تقليب الكف، بل هما لازمان عقليان يستفيدهما الذهن من رؤية من يقلب كفيه مع ما يحتف بهما من القرائن السياقية والحالية للمقلب، فقد يدل حاله على خلاف ذلك فيكون تقليب كفيه من باب التعجب أو السخرية ......... إلخ فبساط الحال معتبر في الكنايات فهي لا تدل على المراد مطابقة أو تضمنا وإنما تدل عليه لزوما، ولذلك كان من كلام الأصوليين في مبحث الحقيقة والكناية قولهم: إن الألفاظ الصريحة لا تفتقر إلى النية كمن قال لامرأته: أنت طالق، فليس له أن يحتج بأنه ما نوى الطلاق، إذ اللفظ صريح يدل على المراد مطابقة، وهي أقوى الدلالات، فهي أقوى من التضمن ومن الملازمة من باب أولى، بخلاف الكنايات فإنها تدل على المراد دلالة لزوم، كما تقدم، وهي دلالة ضعيفة تفتقر إلى النية، فمن قال: لامرأته على سبيل المثال: الحقي بأهلك، فإنه يلزم لإيقاع الطلاق أن يكون قد نوى ذلك

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير