تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

و الدليل عليه قوله سبحانه و تعالى: {إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة و هم لا يتقون فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون} [الأنفال: 57] فأمر الله رسوله إذا صادف الناكثين للعهد في الحرب أن يشرد بهم غيرهم من الكفار بأن يفعل بهم ما يتفرق به أولئك و قال تعالى: {ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم و هموا بإخراج الرسول و هم بدأوكم أول مرة} [التوبة: 13] فحض على قتال من نكث اليمين و هم بإخراج الرسول و بدأ بنقض العهد.

21ـ و معلوم أن من سب الرسول (صلى الله عليه و سلم) فقد فعل ما هو أعظم من الهم بإخراج الرسول و بدأنا أول مرة ثم قال تعالى: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديهم و يخزهم و ينصركم عليهم و يشف صدور قوم مؤمنين و يذهب غيظ قلوبهم} [التوبة: 15] فعلم أن تعذيب هؤلاء و إخزاءهم و نصر المؤمنين عليهم و شفاء صدورهم بالإنتقام منهم و ذهاب غيظ قلوبهم مما أذوهم به أمر مقصود للشارع مطلوب في الدين و معلوم أن هذا المقصود لا يحصل ممن سب النبي (صلى الله عليه و سلم) و آذى الله تعالى و رسوله و عباده المؤمنين إلا بقتله لا يحصل بمجرد استرقاقه و لا بالمن عليه و المفاداة به.

22ـ و كذلك أيضا تنكيل غيره من الكفار الذين قد يريدون إظهار السب لا يحصل على سبيل التمام إلا بذلك و لا يعارض هذا من نقض العهد في طائفة ممتنعة إذا أسرنا واحدا منهم لأن قتال أولئك و الظهور عليهم يحصل هذا المقصود بخلاف من كان في أيدينا قبل السب و بعده فإن لم يحدث فيه قتلاً لم يحصل هذا المقصود.

الصارم المسلول 1/ 392

23 ـ أن الذمي إذا سب النبي (صلى الله عليه و سلم) فقد صدر منه فعل تضمن أمرين أحدهما: انتقاض العهد الذي بيننا و بينه الثاني: جنايته على عرض رسول الله (صلى الله عليه و سلم) و انتهاكه حرمته و إيذاء الله و رسوله و المؤمنين و طعنه في الدين و هذا معنى زائد على مجرد كونه كافرا قد نقض العهد ونظير ذلك أن ينقضه بالزنا بمسلمة أو بقطع الطريق على المسلمين و قتلهم و أخذ أموالهم أو بقتل مسلم فإن فعله ـ مع كونه نقضا للعهد ـ قد تضمن جناية آخرى فإن الزنا و قطع الطريق و القتل من حيث هو هو جناية منفصلة عن نقض العهد له عقوبة تخصه في الدنيا و الآخرة زائدة على مجرد عقوبة التكذيب بنبوية، و الدليل عليه قوله سبحانه و تعالى: {إن الذين يؤذون الله و رسوله لعنهم الله في الدنيا و الآخرة و أعد لهم عذابا مهينا} [الأحزاب: 57] فعلق اللعنة في الدنيا و الآخرة و العذاب المهين بنفس أذى الله و رسوله فعلم أنه موجب ذلك و كذلك قوله تعالى: {و إن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم و طعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون} [التوبة: 12].

24 ـ يوضح ذلك أن النبي (صلى الله عليه و سلم) لما دخل مكة آمن الناس الذين كانوا يقاتلونه قبل ذلك و الذين نقضوا العهد الذي كان بينه و بينهم و خانوه، إلا نفرا منهم القينتان اللتان كانتا تغنيان بهجائه و سارة مولاة بني عبد المطلب التي كانت تؤذيه بمكة.

فإذا كان قد أمر بقتل التي كانت تهجوه من النساء ـ مع أن قتل المرأة لا يجوز إلا إذا قاتلت و هو (صلى الله عليه و سلم) قد آمن جميع أهل مكة من كان قد قاتل و نقض العهد من الرجال و النساء ـ علم بذلك أن الهجاء جناية زائدة على مجرد القتال و الحراب، لأن التفريق بين المتماثلين لا يقع من النبي (صلى الله عليه و سلم) كما أنه بقتل ابن خطل لأنه كان قد قتل مسلماً و لأنه كان مرتداً و لأنه كان يأمر بهجائه و كل واحد من القتل و الردة و الأمر بهجائه جناية زائدة على مجرد الكفر و الحراب.

26 ـ و مما يبين ذلك أنه قد كان أمر بقتل من كان يؤذيه بعد فتح مكة ـ مثل ابن الزبعرى و كعب بن زهير و الحويرث بن نقيد و ابن خطل و غيرهم ـ مع أمانه لسائر أهل البلد وكذلك أهدر دم أبي سفيان بن الحارث و امتنع من إدخاله عليه و إدخال عبد الله بن أبي أمية لما كانا يقعان في عرضه ـ و قتل ابن أبي معيط و النضر بن الحارث دون غيرهما من الأسرى و سمى من يبذل نفسه في قتله ناصراً لله و رسوله و كان بندب إلى قتل من يؤذيه و يقول: [من يكفني عدوي [.

27 ـ السب جناية زائدة على الكفر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير