تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: إلى المكرم فضيلة الشيخ المسند الكبير المحدث الدكتور:ماهر ياسين الفحل حفظه الله.

مما لا يخفى على كل ذي بال وبصيرة أن العنايةَ بالإسنادِ خصيصة فاضلة من خصائصِ الأمَّةِ المحمدية، وسنة بالغة من السنن المؤكدة، بل من فروض الكفاية كما نص على ذلك أهل العلم. قَالَ شيخ الإسلام ابنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ: "والإسْنَادُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِه الأمَّةِ، وهُو مِنْ خَصَائِصِ الإسْلامِ، ثُمَّ هُو في الإسْلامِ مِنْ خَصَائِصِ أهْلِ السُّنَّةِ".

ولا يوجَدُ في أمةٍ من الأممِ عنايةٌ به كما هو موجودٌ في هذه الأمَّةِ المباركةِ. قال الإمام ابن حزم رحمه الله: "نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم مع الإتصال خص الله به المسلمين دون سائر الملل".

ولما كان الإسناد كما وصفنا فقد أشاد به الأئمة المعتبرين وجعلوه من الدين والمحافظة عليه قربة لأن قرب الإسناد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قرب إليه، والقرب إليه قرب إلى الله عز وجل.

قال الإمام المجاهد ابن المبارك رحمه الله: "طلب الإسناد المتصل من الدين"، وقال أيضا: "الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء".

وقَال مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ الطُّوسِيِّ الزَّاهِدِ رحمه اللَّهُ: "قُرْبُ الْإِسْنَادِ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ".

وَلشرفه سعى الأئمة لطَلَبُ الْعُلُوِّ فِيهِ، وَلِذَلِكَ اسْتُحِبَّتِ الرِّحْلَةُ فِيهِ وتكبد المشاق لأجله.

قَالَ الإمام أَحْمَدُ رَحمه اللَّهُ: " طَلَبُ الْإِسْنَادِ الْعَالِي سُنَّةٌ عَمَّنْ سَلَفَ ".

قيل ليَحْيَى بْن مَعِينٍ رَحمه اللَّهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: مَا تَشْتَهِي؟ قَالَ: " بَيْتٌ خَالِي، وَإِسْنَادٌ عَالِي".

ولهذا دَأَبَ علماؤنا المحَدِّثونَ على وصلِ أسانيدِهِم بأسانيدِ الأَئِمَّةِ أصحابِ الدواوين الحديثِيَّةِ إستجلابا لشرف الاتصال بالسلف الصالح، ليحصُلَ لهم البَرَكَةُ والخيرُ والنفعُ باتِّصالِ الإسنادِ إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -

وما زالَ الحبل ممدودا إلى الآن، حيث يحرصُ طلاّبُ العلمِ على طلب علوِّ الإسنادِ، فكلَّما وصلهم عن أحدٍ من أهلِ العلمِ والفضل بينه وبين رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عددٌ أقلُّ من غيره حرِصوا على أخذِ الإجازةِ منه حتى يحظى لهم شرف العلُوُّ بالإسناد، وقد أوصى بعضُ المحدِّثينَ بأنه ينبغي للمحدِّثِ أن يختارَ لنفسِهِ من الأسانيدِ التي حصلَتْ له من المشايِخِ سنداً واحداً يحفظُهُ ليَتَّصِلَ به إلى سيِّدِ المرسلينَ وتعودَ بركتُهُ على حامِلِه في الدنيا والآخرةِ.

ومِنْ نفيس ما قيل في تزكية هذه السنة الماضية والطريقة المرضية مَا ذَكَرَهُ الحافظ السَّخَاويُّ رحمه الله، عنْ أبي الحَسَنِ ابنِ النِّعْمَةِ رَحِمَهُ اللهُ قال: "لم يَزَلْ مَشَايُخُنَا في قَدِيْمِ الزَّمَانِ يَسْتَعْمِلُوْنَ هَذِه الإجَازَاتِ، ويَرَوْنَها مِنْ أنْفَسِ الطَّلَبَاتِ، ويَعْتَقِدُوْنَها رَأسَ مَالِ الطَّالِبِ، ويَرَوْنَ مَنْ عُدِمَها المَغْلُوبَ لا الغَالِبَ ... ".

وقَالَ الحَافِظُ أبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: "فاعْلَمْ الآنَ أنَّ الإجَازَةَ جَائِزَةٌ عِنْدَ فُقَهَاءِ الشَّرْعِ المُتَصَرِّفِيْنَ في الأصْلِ والفَرْعِ، وعُلَماءِ الحَدِيْثِ في القَدِيْمِ والحَدِيْثِ، قَرْنًا فَقَرْنًا، وعَصْرًا فَعَصْرًا إلى زَمَانِنَا هَذَا ... ".

وفي الإجَازَةِ كما لا يَخْفَى عَلى كل ذِي بالٍ وبَصِيْرَةٍ، دَوَامُ ما قَدْ رُوِيَ وصَحَّ مِنْ أثَرٍ، وبَقَاء لِرَونق بَهَائِه وصفَائِه، واستمرار لبَهْجَتِه وضِيائِه، وإشعاع لنَفَحاته وبَرَكاته.

وكما أَشَرْتُ، من ثمراتِ بقاءِ هذه السلسلةِ المباركة واتصالِ الأسانيدِ المحافظةُ على هذه الميزةِ التي تمتازُ بها أمَّةُ الإسلامِ باتصالِ سندِها إلى نبيِّ الهدى عليه الصلاةُ والسَّلامُ، وهذا برهان ساطع على حفظ الله تعالى لهذا الدين وجعله حصن حصين أمام كل أفاك أثيم، ولَوْلا حِفْظُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ للحَدِيْثِ بأهْلِه ورِجَالِه، لَدُرِسَ الدِّيْنُ بَعْدَ جِدَّةٍ، وتَقَوَّضَتْ أرْكَانُه بَعْدَ شِدَّة.

وكان كاتبه - أصلح الله حاله، وبلَّغه في الدارين آماله - ممن أنعم الله عليهم بالانحياش إلى أولئك الكرام، وسلوك هَذِه الجَادَّةِ المَطْرُوْقَةِ سَلَفًا وخَلفًا، مُجَازاً من بعض شيوخه منهم:

1 - العلامة الفهامة الأثري السلفي صاحب الحبر السيال المُسْنِدُ الكَبِيْرُ: الشيخ أبي أويس محمد بن الأمين بن عبد الله بوخبزة الحسني التطواني - حفظه الله وجعل الجنة مأواه - حَيْثُ أجَازَني إجَازَةً عَامَّةً فِي جَمِيْعِ مَرْوِيَّاتِهِ التي يرويها عن مشايخه الأئمة الأعلام.

2 - العلامة النحرير الفقيه الأصولي نادرة الدهر: الشيخ محمد الحسن بن الدود الشنقيطي - حفظه الله ونفعنا بعلمه - حيث سَمِعْتُ مِنْه الحَدِيْثَ المُسَلْسَلَ بسنده: {إنما الأعمال بالنيات} من "جامع الإمام البُخَارِيِّ رحمه الله" من طريقين، و أذن لي مشافهة بالرواية عنه. وغيرهما من أهل العلم والفضل.

وعليه رغبت إلى فضيلتكم قصد تزكية طلبي هذا بأن تحقق رغبتي حتى يحصل لي شرف الإتصال بكم، فأسأل الله تعالى ألا تحرمي هذا الشرفـ العظيم، شرف اللإتصال بأهل العلم والصلاح الأئمة الأعالام أوعية ميراث النبوة.

وأحيطكم علما فضيلة الشيخ أني طويلب علم خريج كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والتسليم.

وإلى ذلكم الحين تقبلو من فضيلة الشيخ فائق المحبة والتقدير ودمتم في خدمة العلم وأهله.

والسلام ختام.

كاتبه: الفقير إلى عفو ربه: أبي يحيى رشيد بن علي الشهيبي المغربي.

عنوان المراسلة: [email protected]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير