أثبت المصنف رحمه الله تعالى بدل الغلط وفاقا لسيبويه وبعضهم، وأنكره المبرد ـ على سعة إطلاعه ـ وجماعة، قال السيوطي: «قال أبو العباس المبرد رحمه الله تعالى: بدل الغلط لا يكون مثله في كلام الله ولا في شعر ولا في كلام مستقيم، وقال خطاب ـ هو ابن يوسف أبو بكر الماردي ـ لا يوجد في كلام العرب، لا نثرها ولا نظمها، وقد عُنيت بطلب ذلك في الكلام والشعر فلم أجده، وطلبتُ غيري به فلم يعرفه» اهـ، ثم ذكر ـ أي السيوطي ـ أن أبا محمد بن السيد ـ أي البَطَلْيُوْسِي ـ وجده في شعرٍ لذي الرمة، ورُدَّت دعواه والله تعالى أعلم (184).
الاختيار الثاني:
قال المصنف رحمه الله تعالى في باب الحال:
«ولا تكون ـ أي الحال ـ إلا بعد تمام الكلام».
قال أبو بكر عفا الله عنه:
ظاهر عبارة المصنف رحمه الله تعالى المنفية بـ لا يكون المستثناة بـ إلا يلزم منه مسألتان والله تعالى أعلم:
المسألة الأولى: اشتراط عدم تقدم الحال على صاحبها.
المسألة الثانية: اشتراط عدم تقدمها على عاملها.
أما الأولى فلا أعلمها عن نحوي قط فيما إذا كان صاحبها مرفوعا أو منصوبا أو مجرورا بحرف جر زائد، واختلف فيما إذا كان مجرورا بحرف جر أصلي، أو مضافا إليه على مذهبين، الأول المنع، وحكي عن الجمهور، وعليه عامة أهل البصرة، والثاني الجواز، وعليه جماعة من أرباب الصناعة كأبي علي الفارسي وابن كيسان وابن بَرْهان، واختاره ابن مالك رحمه الله تعالى حيثُ قال:
وسبقَ حال ما بحرف جُرَّ قَدْ ********** أَبَوْا ولا أمنعُه فقد وَرَدْ
وأما الثانية فالجمهور على الجواز مطلقا، إلا في بعض المواضع التي يجب فيها التقديم أو التأخير، وأطلق القول بالمنع أبو عمر الجرمي رحمه الله تعالى، ووافقه المصنف إن حملنا كلامه على ظاهره والله تعالى أعلم (185).
ولا يعكر على هذا أن بعض الأجلاء ذكروا ذلك ـ أي كون الحال بعد تمام الكلام ـ في كلامهم، فإنهم ما ذكروه إلا باعتبار الأصل، وهو كونه فضلة، والأصل في الفضلات أن تكون بعد تمام الكلام كما لا يخفى، وإنما لم أحمل كلام المصنف على ما حملتُ عليه كلام بعض الأجلاء؛ للنفي والاستثناء الواردين في كلامه رحمه الله تعالى المشعرين بأنه لا يتقدم ألبتة، والله تعالى أعلم.
الاختيار الثالث:
قال المصنف رحمه الله تعالى في باب التمييز:
«ولا يكون ـ أي التمييز ـ إلا بعد تمام الكلام».
قال أبو بكر عفا الله عنه:
كذلك ظاهر عبارة المصنف رحمه الله تعالى المنفية بـ لا يكون المستثناة بـ إلا يلزم منه مسألتان والله تعالى أعلم:
المسألة الأولى: منعه توسط التمييز بين العامل ومعموله، إذ لم يتمَّ الكلام بعد.
المسألة الثانية: منعه تقديمه على العامل والمعمول معا، بطريق الأَولى.
أما الأولى فلا يعلم فيها خلاف عن أحد من النحاة كما ذكر ذلك الشيخ أبو حيان والسيوطي، فإنهم لم يختلفوا في جواز طاب نفسا زيد، وحَسُنَ وجها عمروٌ والله تعالى أعلم.
وأما الثانية ففيها خلاف منتشر بين النحاة، فمنعه بإطلاق سيبويه والفراء رحمهما الله تعالى، وعليه الأكثرون من البصريين والكوفيين والمغاربة، وهو قضية كلام المصنف رحمه الله تعالى، وذهب بعض الفحول وعلى رأسهم الكسائي إمام أهل الكوفة، والجرمي والمازني وتلميذهما أبو العباس المبرد، وكذا ابن خروف الإشبيلي، ذهبوا جميعا إلى جواز تقدمه على العامل إذا كان فعلا متصرفا، واحتجوا بالسماع والقياس ـ ورُدَّ السماع بأنه ضرورة، ودفع القياس بمثله ـ، فأجازوا نحو ((نفساً طابَ زيدٌ))، ومنعوا نحو ((عندي زيتاً رطلٌ)) (186).
واختاره من المتأخرين ابن مالك رحمه الله تعالى، فأطلق القول فيه في شرح عمدة الحافظ، واختاره على قلة في الخلاصة حيثُ قال:
وعاملَ التمييز قدِّم مطلقا ********** والفعلُ ذو التصريف نَزْرا سُبِقا (187).
وهو اختيار شيخنا الدرة عافاه الله والله تعالى أعلم (188).
الاختيار الرابع:
قال المصنف رحمه الله تعالى في باب البدل:
«وهو ـ أي البدل ـ أربعة أقسام: بدل الشيء من الشيء ... وبدل الغلط .... ».
قال أبو بكر عفا الله عنه:
¥