الجمهور يقولون بدل الكل من الكل، وعدل المصنف عنه إلى ما هو أحسن منه، وهو قوله: بدل الشيء من الشيء، وحسنه أنه يدخل فيه ما لا يطلق عليه كل من كل، وذلك نحو قوله تعالى: صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ (189).
قال الشيخ في الارتشاف: بدل موافق من موافق، وهو الذي يسمونه بدل كل من كل، وبعض أصحابنا اصطلح عليه ببدل الشيء من الشيء والله تعالى أعلم (190).
الاختيار الخامس:
قال المصنف رحمه الله تعالى في باب مخفوضات الأسماء:
«المخفوضات ثلاثة أقسام: .... ومخفوض بالإضافة ...... وأما ما يخفض بالإضافة فنحو قولك .... ».
قال أبو بكر عفا الله عنه:
اختلف في العامل في المضاف إليه على ثلاثة مذاهب، هذا بيانها بإيجاز والله الموفق:
الأول: أن العامل فيه المضاف، وهو مذهب سيبويه رحمه الله تعالى.
الثاني: أن العامل فيه حرف محذوف، يقدر جارا، وهو مذهب الزجاج وابن الحاجب رحمهما الله تعالى.
الثالث: أن العامل فيه نفس الإضافة، وهو مذهب الأخفش رحمه الله تعالى، واختاره المصنف كما يدل عليه ظاهر كلامه والله تعالى أعلم (191).
الاختيار السادس:
قال المصنف رحمه الله تعالى في باب التوكيد:
«التوكيد تابع للمؤكد في رفعه ونصبه وخفضه وتعريفه، ويكون بألفاظ معلومة وهي: النفس والعين وكل وأجمع وتوابع أجمع وهي أكتع وأبتع وأبصع، تقول .... مررت بالقوم أجمعين».
قال أبو بكر عفا الله عنه:
عطف المصنف رحمه الله تعالى أجمع على كل، ثم قال: وتوابع أجمع وعدها مرتبة، ولم يقل بعد كل وتابع كل وهو أجمع، فالظاهر من جملة كلامه رحمه الله جواز التأكيد بأجمع دون كل، وقد نصَّ على ذلك تمثيلا بقوله: مررت بالقوم أجمعين، وما ذهب إليه المصنف هنا خلاف مذهب الجمهور كما زعمه السيوطي في الهمع، واختار التأكيد بأجمع دون كل جمع من النحاة منهم ابن مالك رحمه الله تعالى حيثُ قال في الخلاصة:
ودون كل قد يجيء أجمعُ ********** جمعاءُ أجمعونَ ثم جُمَعُ
قال ابن عقيل رحمه الله تعالى: وزعم المصنف أن ذلك قليل، ثم ذكر ـ أي ابن عقيل ـ له شاهدا من كلام العرب. قلتُ: فإما أنه أراد بزعم معنى قال كما استخدمه سيبويه رحمه الله تعالى في كتابه، وإما أنه أراد تخطئته وإبطال قوله ـ وهو الأقرب عند العبد الفقير غفر الله له ـ، وكأنه ـ أي ابن عقيل ـ فهم القلة من قوله ((قد يجيء)) باعتبار قد قبل المضارع والله تعالى أعلم (192).
وكذا اختاره الشيخ أبو حيان وابن هشام والسيوطي رحمهم الله تعالى أجمعين (193).
واختار ابن معط رحمه الله تعالى في درته ـ يسر الله بيان ما فيها من اليواقيت والدرر، وأن قول ابن مالك ((فائقةً)) ليس على إطلاقه ـ عدم الجواز حيثُ قال:
أجمعُ أكتعُ يليه أبصعُ ********** أبتعُ والكلُّ لـ كلٍّ يتبعُ
كمثلِ ما ورد في القرآن ********** والنفس والعين مقدمانِ (194).
الاختيار السابع:
قال المصنف رحمه الله تعالى في باب العطف:
«وحروف العطف عشرة، وهي ..... وعدَّ منها لكنْ .... ».
قال أبو بكر عفا الله عنه:
اختار المصنف رحمه الله تعالى العطف بـ لكنْ، وفاقا لما قرره جمع من النحاة كسيبويه والأخفش وأبي علي الفارسي وابن كيسان وابن عصفور، وذهب يونس بن حبيب إلى أنها ليست عاطفة، بل هي حرف استدراك، والواو قبلها عاطفة لما بعدها عطف مفرد على مفرد، ووافقه ابن مالك في التسهيل على أنها غير عاطفة، وخالفه في أن الواو قبلها عاطفة جملة على جملة، واستدل من منع العطف بها بلزوم اقترانها بالواو قبل المفرد، وهذا نحو ما تمسك به من منع العطف بـ إما، وجرى عليه ابن مالك وتبعه بعضهم، قال المرادي: «قال ابن مالك: وما يوجد في كتب النحويين من نحو ((ما قام سعد لكن سعيد)) فمن كلامهم لا من كلام العرب. ولذلك لم يُمَثِّل سيبويه في أمثلة العطف إلا بـ ((ولكنْ))، وهذا من شواهد أمانته وكمال عدالته، لأنه يجيز العطف بها غيرَ مسبوقة بواو، وترك التمثيل به لئلا يُعتقد أنه مما استعملته العرب. قلتُ ـ أي المرادي ـ: وفي قوله: إن سيبويه يجيز العطف بها غيرَ مسبوقة بواو نظر، قال ابن عصفور رحمه الله تعالى: وينبغي أن يحمل كلام سيبويه والأخفش ـ من أنها عاطفة
¥