المذهب الثاني: أن حرف التعريف ثنائي، وهمزته همزة قطع أصلية، إلا أنها حذفت في الوصل تخففا لكثرة الاستعمال، وهذا هو مذهب الخليل رحمه الله تعالى، ونصره ابن مالك في شرح التسهيل، واستدل على صحته بوجوه أطال في ذكرها وتقريرها، ونازعه في ذلك الشيخ أبو حيان، وردها جميعا وأنكر أن يكون ما ذكره ابن مالك عن الخليل مذهبا له وقال: ليس في كلام الخليل ما يدل على أن الهمزة أصلية مقطوعة في الوصل كهمزة أم وأن. قلتُ: ومن رأى هذا المذهب عبر بـ أل، قال المرادي: «ولا يحسن أن يقول الألف واللام، كما لا يقال في قد القاف والدال. وكذلك ذُكر عن الخليل، قال ابن جني رحمه الله تعالى: كان يقول أل، ولا يقول الألف واللام والله تعالى أعلم» اهـ.
المذهب الثالث: أن حرف التعريف اللام وحدها، وهي طريقة المتأخرين، قالوا: سكنت اللام فعسر النطق بها فتقدمتها همزة وصل مفتوحة ليتوصل بها إلى النطق بالساكن، قلتُ: استعمله الزمخشري والرضي والله تعالى أعلم (198).
وعبارة المصنف رحمه الله تعالى ظاهرة في المذهب الأول، ومحتملة في الثالث فالثاني والله تعالى أعلم.
الاختيار الحادي عشر:
قال المصنف رحمه الله تعالى في باب الإعراب:
«الإعراب تغيير أواخر الكلم ..... ».
قال أبو بكر عفا الله عنه:
الذي يظهر من عبارة المصنف رحمه الله أن له اختيارا في ماهية الإعراب، هل هو معنوي أو لفظي، أشعر به تعبيره بِـ تغيير، وفي المسألة ـ كما لا يخفى ـ مذهبان:
المذهب الأول: أنه معنوي والحركات دلائل عليه، واختاره الأعلم وابن يعيش وكثيرون، وهو ظاهر مذهب سيبويه رحمه الله تعالى.
المذهب الثاني: أنه لفظي، واختاره ابن درستويه وجماعة من المتأخرين، وجرى عليه ابن مالك رحمه الله تعالى ونسبه إلى المحققين، وعرَّفه في التسهيل بقوله: ما جيء به لبيان مقتضى العامل من حركة أو حرف أو سكون أو حذف.
قال ابن يعيش رحمه الله تعالى: «واعلم أنهم قد اختلفوا في الإعراب ما هو، فذهب جماعة من المحققين إلى أنه معنى، قالوا وذلك اختلاف أواخر الكلم لاختلاف العوامل في أولها، نحو هذا زيد ورأيت زيدا ومررت بزيد، والاختلاف معنى لا محالة، وذهب قوم من المتأخرين إلى أنه نفس الحركات، فالإعراب عندهم لفظي لا معنوي، فهو عبارة عن كل حركة أو سكون يطرأ على آخر الكلمة في اللفظ، يحدث بعامل ويبطل ببطلانه، قال رحمه الله: والأظهر المذهب الأول ـ أي أنه معنوي ـ لاتفاقهم على أنهم قالوا حركات الإعراب، ولو كان الإعراب نفس الحركات لكان من إضافة الشيء إلى نفسه وذلك ممتنع والله تعالى أعلم» اهـ (199).
قال أبو بكر عفا الله عنه:
وفي منعه إضافة الشيء إلى نفسه بحث، قال أبو الفضل بن منظور رحمه الله تعالى في اللسان:
والمسجد الجامع: الذي يَجمع أَهله، نعت له لأَنه علامة للاجتماع، وقد يضاف، وأَنكره بعضهم، وإِن شئت قلتَ: مسجد الجامع بالإضافة، كقولك الحقُّ اليقين، وحقُّ اليقين، بمعنى مسجد اليوم الجامع، وحقِّ الشيء اليقينِ، لأَن إضافة الشيء إلى نفسه لا تجوز إِلا على هذا التقدير، قال: وكان الفراء يقول: العرب تضيف الشيء إلى نفسه لاختلاف اللفظين، كما قال الشاعر:
فقلت: انْجُوَا عنها نَجا الجِلْدِ إنه ********** سَيُرْضِيكما منها سَنامٌ وغارِبُهْ
فأَضاف النجا ـ وهو الجِلْد ـ إلى الجلد لما اختلف اللفظان، وروى الأَزهري عن الليث قال: ولا يقال مسجدُ الجامع، ثم قال الأَزهري: النحويون أَجازوا جميعا ما أَنكره الليث، والعرب تضيف الشيء إلى نفسه وإلى نَعْتِه إذا اختلف اللفظان، كما قال تعالى: وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ؛ ومعنى الدين الملة كأَنه قال وذلك دين الملة القيِّمة، وكما قال تعالى: وَعْدَ الصِّدْقِ، ووعدَ الحقِّ، قال: وما علمت أَحدا من النحويين أَبى إجازته غير الليث، قال: وإنما هو الوعدُ الصِّدقُ، والمسجدُ الجامعُ، والصلاةُ الأُولى، والله تعالى أعلم اهـ (200).
قال الأشموني: وهو ـ أي المذهب الثاني ـ أقرب إلى الصواب والله تعالى أعلم اهـ (201).
الاختيار الثاني عشر:
قال المصنف رحمه الله تعالى في باب العطف:
¥