تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و فضلا عن أنه لا يوجد في الصحيحين سند بهذه التركيبة العجيبة؛ فإن الثوري لم يسمع من الزهري ـ كما لم يسمع إسحاق من الثوري ـ؛ فإن الثوري، و إن كان قد عاصر الزهري، لكنه لم يسمع منه، و هذا ممّا يدخل في المرسل الخفيِّ إرسالُه، و قد قال أحمد بن علي بن ثابت السلامي في " الكفاية " ص 384 (في باب الكلام على إرسال الحديث):

" و أمّا رواية الراوي عمَّن عاصره و لم يَلْقَهُ؛ فمثاله: رواية الحجاج بن أرطاة، و سفيان الثوري، و شعبة، عن الزهري ... ".

و قد سُئل الثوري: ما منعك أن ترحل إلى الزهري؟ فقال: قلة الدراهم، و قد كفانا معمر.

يراجع: المحدث الفاصل، و السير 7/ 8، و ينظر 7/ 246 منه.

? ـ و إذ ثبت أن الثوريَّ لم يلقَ الزهريَّ؛ فهل تصدق أن الزهري روى عن الثوريّ؟!

وقع ذلك بسبب غلط (مركّب)، نتج عن تصحيف (مرويّ بالمعنى!) وقع من السيوطي، غفر الله له!

و أصل ذلك: أن أبا عبد الله ابن البيّع روى في " معرفة علوم الحديث و كمّيّة أجناسه " ص 117 حديثا من رواية سليمان بن محمد المباركي، قال: ثنا أبو شهاب، عن سفيان الثوري، عن الحجاج بن فرافصة، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة ...

فجاء السيوطي فأراد أن يختصر هذا السند في " تدريب الراوي "، فقال:

" ... كحديث الزهري، عن سفيان الثوري ... "!

و أصل ذلك: أنه صحَّف (أبا شهاب) إلى (ابن شهاب)، ثم ذكره (بالمعنى!) بنسبته (الزهري)؛ فأحال المبنى، وقلب المعنى!

و قد نبه على غلطه هذا أبو الأشبال أحمد بن شاكر، رحمه الله تعالى ...

و لو كان السيوطي - على تفننه و سعة اطّلاعه - متفطّنا إلى أن الثوري لم يلقَ الزهري؛ لكان ذلك مانعا له ـ إن شاء الله ـ من أن يجعل الزهريَّ راويا عن الثوريّ!

و الصواب أن الذي روى ذاك الحديث عن الثوري، هو: أبو شهاب الحنّاط، و اسمه: عبد ربّه بن نافع.

و لو أنعم السيوطي النظر في السند المتقدم، و تدبّر قول سليمان المباركي: " ثنا أبو شهاب " = فقد صرَّح سليمان بالتحديث؛ فهل يمكن المباركيَّ أن يسمع من ابن شهاب؟

لا ريب أنه لن يمكنه ذلك، و لو اتّخذ نفقا في الأرض، أو سُلّما في السماء؛ فقد توفي المباركي سنة (231) بعد وفاة الزهري بـ (107) سنين، و هو يروي عن رجال، يروون عن الزهري بواسطة؛ فالمباركي يروي عن حَفَدة الزهري بالتلمذة!

فتأمَّل ـ يا رعاك الله ـ الآثار الخطيرة الفطيرة المُنْجَرَّة من ترك التدقيق، و إغفال العناية بمعرفة طبقات الرجال، و تدبَّر كيف أن التساهل و الاسترواح، يؤدّيان إلى كوائن، و أمور أغرب من الخيال، بل أمْحَل من المُحال!

و من الاتفاقات العجيبة: أن التصحيف و الغلط الواقعَيْن في ذيْنك السندَيْن، أدّيا إلى أمور مُحالة، لم يخلق الله منها شيئا؛ فإن إسحاق لم يدرك الثوري، و مع ذلك وقع ـ غلطا ـ تصريح بإخبار الثوري إيّاه، و سليمان المباركي لم يدرك ابنَ شهاب و لا قارب ... و الزهريُّ جُعل ـ بتصحيف مصحّف ـ راويا عن الثوري الذي كان يتلهّف و يتحرَّق على الرحلة إلى الزهري، لكنه لم يتمكّن؛ لأنه لم تكن له دراهم؛ فأخذ حديث الزهري عن صاحبه معمر ...


1ـ و من العجيب: أن هذا الغلط الغريب، قد تكرَّر في حديث آخر، جاز على الحافظ الزيلعي،
و العلاّمة المباركفوري، و لم يتفطّنا له.

فقد قال الزيلعي في " نصب الراية " 1/ 381:
" و روى إسحاق بن راهويه في " مسنده " ... فقال: أخبرنا الثوري (؟!) عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر ... ".

و لم يتفطّن لهذا الغلط البنّوري، و لا الكوثري الذي طالع الكتاب ـ كلَّه ـ و صحح بعض الأغلاط ـ كما يراه النّاظر في خاتمة الكتاب 4/ 430 ـ.

و تبع الزيلعيَّ ـ أيضا ـ في هذا الغلط: الشيخ عبد الرحمن المباركفوري ـ رحمه الله ـ في " تحفة الأحوذي " 2/ 132.

ـ[العاصمي]ــــــــ[11 - 10 - 05, 12:01 م]ـ
? ـ و من أعجب العجب الذي لا يقضى منه العجب: الخلط بين أبوَيْ حيّان: الغرناطيّ الظاهري، و التوحيدي (!) المتفلسف، و بين ابن حَيَّان الغرناطي، و بين ابن حِبَّان البُستي!

أما الخلط بين أبَويْ حيّان؛ فكثير منتشر في عصرنا، على ألسنة الخطباء، و في صحائف الكتب و المجلاّت!

و من أقرب ذلك إلى ذهني: أن علاّلاً الغازي عزا " البحر المحيط " في مصادر نشرته لـ " المنزع البديع " ـ التي حصل بها على جائزة المغرب للآداب سنة 1400 - إلى أبي حيان التوحيدي! (1)

و وقع ذلك ـ أيضا ـ من القبوريّ الهالك محمد بن علويّ في مفاهيمه الخاسرة ص 39.

و وقع في " تتمّة الأعلام " 2/ 297، و " تكملة معجم المؤلفين " ص 622، نسبة كتاب " تحفة الأريب، بما في القرآن من الغريب " إلى أبي حيّان التوحيدي!!

و لن أطيل بذكر مَن زلق في هذا المنحدر، و أكتفي بمثال فيه عبرة للمعتبر!

نقل السيوطي في " البحر الذي زخر " 1/ 379 عن أبي حيان في تفسيره، فقال المعلّق ـ معرّفا بأبي حيّان ـ:
" أبو حيّان: علي بن محمد بن العباس التوحيديّ ... كان معتزليّا، شيخَ الصوفية (!!)، فيلسوف الأدباء، توفي سنة 380 ... ".
و هذا غلط، وخلط، وخبط؛ فإن أبا حيّان، هو: محمد بن يوسف الأندلسي، ثم المصريّ، الظاهري (ت 745) صاحب " البحر المحيط "، و " النهر المادّ "، وغيرهما، وقد توفي بعد التوحيدي المتفلسف بنحو (365) سنة!!

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير