تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكان لابد لمثل هذا الإختلال الذي أصاب عقيدة المسلمين أن تنعكس آثاره السلبية على مختلف جوانب حياتهم الإجتماعية، والعلمية، والسياسية، وهو ما صوره لنا أحد رحالة القرن الثامن عشر الميلادي الغربيين، وكان جاب أقطاراً من العالم الإسلامي فوجده (قد بلغ من التضعضع أعظم مبلغ، ومن التدني والإنحطاط أعمق دركة، فاربد جوه، وطبقت الظلمة كل صقع من أصقاعه ورجاء من أرجائه وانتشر فيه فساد الأخلاق والآداب، وتلاشى ما كان باقياً من آثار التهذيب العربي، واستغرقت الأمم الإسلامية في اتباع الأهواء والشهوات، وماتت الفضيلة في الناس وساد الجهل، وانطفأت قبسات العلم الضئيلة ( ... ) وانقلبت الحكومات الإسلامية إلى مطايا استبداد وفوضى واغتيال) ([5]).

ذلك هو (المناخ) الذي كان يسود العالم الإسلامي في أقصاه إلى أقصاه.

وهذا المناخ الذي أفرز في قطر منه، هو بلاد نجد، الدعوة السلفية الإصلاحية التي صدع بها الشيخ محمد ابن عبد الوهاب كان حقيقاً أن يفرز مثلها في بقية أقطار العالم الإسلامي أو، على الأقل، أن يفسح لأصدائها أن تتردد بين جنباته، وهذا ما أثبته تاريخ هذه الدعوة حين تخطت حدود نجد إلى أجزاء أخرى من الجزيرة، وخاصة المدينتين المقدستين مكة المكرمة وطيبة الطيبة، ومنها اتخذت طريقها إلى أقطار قريبة مثل السودان والهند، وأخرى نائية مثل ليبيا وبلاد التكرور.

على أننا، هنا، لن نتتبع ما كان لهذه الدعوة من آثار في الأقطار المذكورة، وإنما يهمنا منها، أي الدعوة، ما تعلق بقطر آخر هو المغرب الأقصى؛ غير أننا قبل أن نرصد أصداءها في هذا القطر يحسن بنا أن نعني بتحديد (تواريخ) وصولها إليه، واستجلاء ملابساته.

ومجموع ذلك هو ما سنجتهد لبلورته في الفقرات التالية:

أ - تواريخ وصولها:

متى ترددت أصداء دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية في المغرب؟ ومن حاملو أخبارها وأدبياتها الأول إلى هذا القطر النائي عن مكان ظهورها؟ أكانوا من المغاربة أنفسهم؟ أم كانوا من أهل الجزيرة؟ وهل كانوا من أشياعهم أو كانوا من المناهضين لها؟

بالنظر إلى ما نتوفر عليه من معلومات مستقاة من كتب التاريخ والتراجم ومن نصوص وثائق ورسائل تتعلق بالدعوة، يمكن القول بأن وصول أخبار هذه الدعوة وأدبياتها إلى المغرب تم على مراحل، كانت بواكيرها، فيما نقدر، في العقود الأولى من النص الثاني من القرن الثامن عشر، أي بعد نشأة الدعوة بعقدين أو يزيد قليلاً، وكانت أواخرها في العقد السابع من القرن التاسع عشر، وهو العقد الذي وصل فيه إلى المغرب أبو الحسن علي بن طاهر الوتري المدني، وألف، خلاله، رسالته في نقد الدعوة.

ويمكن تصنيف المراحل آنفة الذكر على النحو التالي:

1 - مرحلة الرواية الشفوية.

وقد تزامنت مع عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله (1171 - 1204 هـ / 1757 - 1790 م). ومع أن الدعوة لم تستطع أن تغادر مهدها إلا بعد فترة غير قصيرة من ميلادها إلا أن ذلك لم يكن ليحول دون تسرب أخبارها ومقولاتها إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة في مواسم الحج. ومع أن رحلات الحج المغربية المكتوبة في تلك الفترة يلوذ بعضها بالصمت إزاء الدعوة الجديدة، ويكتفي بعضها بالإشارة السريعة إليها فإن هذا ليس يمنع أن يكون غير أصحاب الرحلات المدونة من الحجاج نقلوا بالرواية الشفوية بعض أخبار الدعوة وبعض مقولاتها وتحدثوا بهذه وتلك بعد عودتهم إلى بلدانهم. ولعلنا أن نستأنس في دعم هذا بما عرف عن سلطان المغرب يومئذ سيدي محمد بن عبد الله من تعلق بالعقيدة الحنبلية حمله على مهاجمة كتب الأشاعرة ومحاربة بعض الزوايا.

2 - مرحلة الرواية المكتوبة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير