وفيها وصلت أخبار الدعوة ومقولاتها عن طريق الوثائق والوسائل، فبينما توالت الرواية الشفوية من قبل الحجاج في نقل ما تعرفه الدعوة الناشئة من وقائع، وما تشيعه من مبادئ، وما تواجهه من عراقيل، وجدنا بعض الحجاج، وخاصة العلماء منهم، يعودون إلى المغرب وهم يحملون معهم وثائق ورسائل تتضمن مبادئ الدعوة وتشرح أهدافها. ومن أولئك الحجاج الفقيه أحمد بن عبد السلام بناني الذي ذكر في كتابه (القيوضات الوهبية) أنه حمل معه بعد عودته من الحج عام 1803 م رسالتين تتعلقان بالدعوة الوهابية. وذكر كذلك أن الكبرى من الرسالتين تقع في نحو كراسة والصغرى في نحو ورقتين، كما ذكر أن الرسالتين وقعتا معاً بيد (الإمام الأوحد عالم السلاطين وسلطان العلماء أمير المؤمنين سيدنا سليمان ابن مولانا محمد) ([6]).
3 - مرحلة الرواية (الرسمية).
ونعني بها رسالة الإمام سعود بن عبد العزيز التي وصلت المغرب سنة 1811 م متضمنة مبادئ الدعوة وغاياتها. وفي المصادر ([7]) التاريخية أن هذه: الرسالة بعثت في أصلها إلى علماء تونس، وحول هؤلاء نسخة منها إلى علماء المغرب للنظر فيها والرد عليها. وهذا نص الناصري في الموضوع (ولما استولى ابن سعود على الحرمين الشريفين بعث كتبه إلى الآفاق كالعراق والشام ومصر والمغرب، يدعو الناس إلى اتباع مذهبه والتمسك بدعوته. ولما وصل كتابه إلى تونس بعث مفتيها نسخة منه إلى علماء فاس ... ) ([8]).
ويغلب على الظن أن هذه الرسالة نفسها، أو رسالة أخرى بمعناها، وجهت من قبل الإمام سعود إلى سلطان المغرب المولى سليمان.
ويقوي هذا عندنا أمران:
أولاهما: أن الإمام سعود بن عبد العزيز اهتم، بعد أن تغلب على الحجاز والحرمين الشريفين، بالكتابة في شأن الدعوة السلفية التي قام بنصرتها وقاتل حتى أظهرها، يشرح مبادئها ويوضح أسسها لأولياء الأمر في مختلف الأقطار الإسلامية. ولسنا نجد تعليلاً لإغفاله المغرب مع العلم بأنه كان أكثر الأقطار استعداداً للتجاوب مع الدعوة الجديدة لاعتبارات نشير إليها في موضعها من البحث.
وثانيهما: أن السلطان المولى سليمان لو لم يكن تلقى من الإمام سعود رسالة رسمية في الموضوع لما أمر بكتابة جواب عنها على لسانه وكلف ولده الأمير إبراهيم بحمله إلى الأمير سعود بن عبد العزيز. وهذا، كما يقول صاحب الإستقصا (يقتضي أن كتاب ابن سعود ورد على السلطان المولى سليمان بالقصد الأول لا أن نسخة منه وردت بواسطة علماء تونس، والله تعالى أعلم) ([9]).
4 - مرحلة الرواية (المناهضة) رواحت بين القول والكتابة، وأبرز من ساهم فيها أبو الحسن علي بن طاهر الوتري، وهو ذو نزعة صوفية متعصبة، كان قدم من الحجاز بلاده إلى المغرب حيث أقام في (فاس) و (مراكش) نحو عشر سنوات من آخر القرن الثالث عشر الهجري، يتحدث عن الدعوة حديث المنتقد لها ولصاحبها مما ضمنه رسالته التي ألفها خلال تلك الفترة بعنوان (ما أبرزته الأقدار في نصرة ذوي المناقب والأسرار) ([10]).
والخلاصة أن الدعوة وصلت عبر الرواية الشفوية أولاً، ثم المكتوبة ثانياً، تارة، من قبل (المعتقدين)، وأخرى، من قبل (المنتقدين)، وكان من هؤلاء وأولئك أهل الجزيرة، ولاة أمر وعلماء، مثلما كان منهم مغاربة، علماء وغير علماء، واستغرق ذلك عقوداً من القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين.
ب - ملابسات الوصول:
حين يستعرض المرء أوضاع المغرب السياسية، والاجتماعية، والفكرية خلال الفترات التي وصلت فيه أخبار الدعوة وأدبياتها إلى المغرب يستطيع أن يستخلص منها جملة (ملابسات)، كان بعضها يفسح لها، وبعضها يذودها، وبعضها يسعف بيد ويعرقل بأخرى.
أما التي كانت تفسح فتمثل في:
¥