تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما الدكتور محمد العابد الجابري فيعتبر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بداية “ التنوير ” بالعالم العربي في العصر الحديث وليس الثورة الفرنسية. يقول:

( ... الحقيقة التي يمدنا بها التاريخ، تاريخ العالم العربي في القرن الماضي والعقود الأولى من هذا القرن هي أن الحركة التي كان لها صدى واسع في جميع أقطار العالم العربي، وكان لها حضور فعلي في كثير منها هي الحركة الوهابية التي قامت قبل الثورة الفرنسية بإثنين وأربعين سنة ( ... ) ولا نبالغ إذا قلنا - وهذا على سبيل التوضيح فقط - إن تأثير الحركة الوهابية في العالم العربي زمن الثورة الفرنسية كان يضاهي تأثير هذه الثورة الفرنسية في الأقطار الأوروبية، بل ربما كان أقوى، فقد ظهرت حركات مماثلة تشكل نوعاً من الامتداد لها في أقطار عربية كثيرة: في اليمن قام الإمام الشوكاني (1758 - 1843) على رأس دعوة مشابهة لدعوة ابن عبد الوهاب.

وفي المغرب الأقصى تبنت الدولة الدعوة الوهابية إيديولوجية لها منذ أيام الثورة الفرنسية إلى أواخر القرن الماضي حينما أخذت الوهابية فيه تتطور إلى سلفية جديدة. وبين المغرب واليمن كان حضور الوهابية متعدد الأشكال: السنوسية في ليبيا وقد انتشرت رواياها في كل من السودان ومصر وبلاد العرب فضلاً عن برقة وطرابلس. ولم تخل مصر نفسها من تأثير الوهابية إذ كان لها حضور ما في فكر محمد عبده فضلاً عن خصومه المتزمتين ... ) (32 م).

3 - المؤرخون:

وكان للدعوة في آثار هؤلاء كذلك أصداء دلت على اهتمامهم بتبع أخبارها والتعرف على مبادئها كما دلت، في الوقت نفسه، على موقفهم منها.

ونمثل للمؤرخين بأبي عبد الله محمد أكسنوس، فقد احتفظ لنا في كتابه (الجيش العرمرم الخماسي في دولة أولاد مولانا على السجلماسي) بمعلومات موثقة عن تصورات الدعوة وعن شخصية حاميها الأمير سعود بن عبد العزيز. أما عن شخصية هذا الأمير فقد نقل إلينا أكسنوس ما تحدث به إليه العلماء الذين رافقوا الأمير إبراهيم إلى الحج. ومجمل ذلك إلتزامه بظاهر الشريعة ومحافظته على شعائر الدين. واستقامته وتواضعه. وهذا نص المؤرخ أكسنوس:

(حدث كل واحد منهم أنهم ما رأوا من ذلك السلطان سعود ما يخالف ما عرفوه من ظاهر الشريعة، وإنما شاهدوا منه ومن أتباعه غاية الإستقامة، والقيام بشعائر الإسلام من صلاة وطهارة وصيام ونهي عن المناكر المحرمة وتنقية الحرمين الشريفين من القذارات والآثام التي كانت تفعل بها جهاراً بلا إنكار. وذكروا أن حاله كحال أحد من الناس لا تميزه من غيره بزي ولا لباس ولا مركوب، وإنه لما اجتمع بالشريف الخليفة مولانا إبراهيم أظهر له التعظيم الواجب لأهل البيت الشريف، وجلس معه كجلوس هؤلاء المذكورين وغيرهم من خاصة مولانا إبراهيم) ([33]).

كما روى لنا أكسنوس في تاريخه نص المحاورة التي دارت بين العلماء المغاربة والأمير سعود. وكانت محاورها تتركز على قضايا (الاستواء الذاتي) و (حياة النبي ش في قبره) و (زيارته ش).

وهذه القضايا هي التي كان خصوم الدعوة يثيرون حولها الشبهات والترهات، ويعزونها للدعوة والقائمين عليها.

وهذا نص (المحاورة) كما اتفق به خبر العلماء الذين سمعوها وشاركوا فيها:

(وكان الذي تولى الكلام معه هو القاضي ابن إبراهيم الزداغي، وكان من جملة ما قال لهم ((إن الناس يزعمون أننا مخالفون للسنة المحمدية، فأي شيء رأيتمونا خالفنا فيه السنة؟ وأي شيء سمعتموه عنا قبل رؤيتكم لنا؟)) فقال له القاضي المذكور: ((بلغنا أنكم تقولون بالإستواء الذاتي المستلزم لجسمية المستوى) فقال لهم: ((معاذ الله، إنما نقول كما قال مالك الإستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة انتهى، فهل في هذا مخالفة؟)) فقالوا له: ((لا، وبمثل هذا نقول نحن أيضاً) ثم قال له القاضي: ((وبلغنا عنكم أنكم تقولون بعدم حياة النبي وإخوانه من الأنبياء عليهم السلام في قبورهم))، فلما سمع ذكر النبي ش إرتعد ورفع صوته بالصلاة والتسليم عليه، وقال: ((معاذ الله تعالى (بل) نقول إنه ش حي في قبره، وكذلك غيره من الأنبياء حياة فوق حياة الشهداء))، ثم قال له القاضي: ((وبلغنا أنكم تمنعون من زيارته ش وزيارة الأموات قاطبة مع ثبوتها في الصحاح التي لا يمكن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير