في الجزء الأول: من ص (46) إلى (108)، ومِن ص (144) إلى (225)، ومن (288) إلى (317)، ومن (323) إلى (353)، ومن (355) إلى (428)، ومن (430) إلى (471)، ومن (473) إلى (487)، ومن (584) إلى (638) وغيرها كثير، وهذه المواضع - كلها - ليسَ فيها ولا آية واحِدة احتجَّ بها المؤلف!! وبعضها يأتي على المؤلف أكثر من ثمانين صفحة لا يذكرُ فيها ولا آيةً واحدةً فأينَ هذا مِن منهج ابن تيمية المعروف «المتميّز بالاعتماد على الكتاب»!!
أينَ هذا من منهج ابن تيمية الذي قال فيه تلميذه الحافظ الذَّهبي: «ما رأيتُ أحداً أسرع انتِزاعاً للآيات الدَّالة على المسألة التي يُورِدُها مِنْهُ» (11).
أمَّا الأحاديث فلها شأنٌ آخر فالكتاب وحده من دون الفهارس والمقدمة طبع في (638) صفحة، لم يذكر المؤلف فيه إلا (67) حديثاً فقط!! (12)، وأحياناً تمر عشرات الصفحات من غير إيرادِ حَدِيثٍ وَاحِدٍ!، وفي بعض المواطن تمر أكثر من ستين صفحة ليس فيها حديث واحد!! [انظر مثلاً: (1/ 46 - 108)، (1/ 144 - 212)، (1/ 288 - 317)] فهل هذا هو منهج شيخ الإسلام الإمام المحدّث؟!!
أمَّا الآثار فكذلك (13) ...
أمَّا اعتماده على «المصادر المعتمدة لدى أصحابها» (14) فهذا مَا لاَ نَرَاهُ في الكتاب، بل أعظم منه أن المؤلف لم يذكر في كتابه هذا إلاَّ أربعة كتب فقط!! وهي: الصحيحان ومسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجه! ولم يذكر المسند إِلاَّ في موضع واحدٍ فقط! (15)، والسنن في موضع، ومسلم في موضعين!! كما في فهرس التنبيه (2/ 694).
ولنأخُذْ كتاب «الإخنائية» - الذي أَلَّفه ابن تيمية في سجنه الذي توفي فيه - مِثَالاً فنقارِنُ بينه وبين هذا الكتاب: بَلَغَت الكُتُب التي ذكرها وأحال إليها أكثر من (65) كتاباً!! كما في «الفهارس العلمية للإخنائية» (68 - 72) (16)، أما المُكَرَّرُ مِنها ككتب الحديث فهي على التفصيل كما أحصيتها بنفسي: ذَكَرَ «المسند» (12) مرة، والبخاري (17) مرة، ومسلم (21) مرة، وأبا داود (15) مرة، والترمذي (9) مرات، والنسائي (5) مرات، وابن ماجه (5) مرات، وذكر الصحيحين بهذا اللفظ (31) مرة، والسنن (8) مرات، هذا هو ابن تيمية حقاً! مع أن الإخنائية طبعت في (410) إذا حذفنا المقدمة والفهارس فيساوي ثلثي «التنبيه»!، ومع أنَّ «التنبيه» أَلَّفَهُ وهو في سَعةٍ مِن أَمْرِهِ، أمَّا «الإخنائية» فَأَلَّفَهَا وهو في السّجن!
فإن قيل: لعله لم يُكثر مِن ذِكْرِ الآيات والأحاديث ويحيل إلى الكتب والمصادر الأصلية لأن الكتاب ردٌّ على أهل الجدل والمُمَوِّهين ... وهُم مِن أبعد الناس عن الكتاب والسنة والآثار السلفية فلذلك ناسب إن يرد عليهم من جنس كلامهم؟
قلنا: الناظر في «الرد على المنطقيين»، و «نقض المنطق» و «درء التعارض» يعلم بطلان هذه الشبهة ومن قارن -بل من نظر فقط- بينها وبين «التنبيه» تبيَّن له بُعد هذا الكلام.
تاسعاً: الظاهر أَنَّ المُؤَلِّفَ صاحبُ «التنبيه» (17) لم يكن ذا اطلاع واسع في الحديث كابن تيمية، وإليكَ الدليل: قال في (1/ 9) في حديث: «أَدُّوا زكاةَ أموالكم»: «هذا الحديث بهذا اللفظ لا أَصْلَ له! ولا يُعرَفُ في شيءٍ مِن كُتُبِ الحديث والفقه المعتبرة»!!
قلتُ: هذا الحديث أحال المحقق في تخريجه إلى ص (502)! وفيها أحال إلى ص (504)!! وهناك قال: «أخرجه أحمد .. والترمذي .. وابن خزيمة .. ، وابن حبان .. ، والحاكم .. وصححه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم».
فتأمل أيها القارئ الكريم كيف يزعم المؤلف أنه لا أصلَ له وأنه لا يُعْرَفُ في شيءٍ من كُتُبِ الحديث والفقه المعتبرة، وهو مُدَوَّنٌ في دواوين السنة!!
أين هذا ممن قيل فيه: «كُلُّ حديث لا يعرِفُه ابن تيمية فليسَ بحديث» (18)، وأين هذا ممن «كاد يستوعب السنن والآثار حفظاً» (19)، وأين هذا ممن قال فيه تلميذه الذهبي: «ما رأيتُ أحداً أسرع انتِزاعاً للآيات الدَّالة على المسألة التي يوردها منه، ولا أشدَّ استِحضاراً لمتون الأحاديث، وعزوِها إلى «الصحيح» أو إلى «المسند» أو إلى «السنن» منهُ (20)، كأنَّ الكتاب والسُّنن نصب عَيْنَيْه، وعلى طَرَفِ لِسَانه» (21). وهو -رحمهُ الله -: «إليه المنتهى في عزو الحديث إلى «الكتب الستة» و «المسند».» (22).
¥