من الأمورِ المُهِمَّة – كما تقدّم - لدى الباحثين في مجال تحقيق الكتب إثبات نسبة الرسالة إلى مؤلفها والعناية بهذا الأمر، لا سيما إن وُجِدَ من يُشككُ في صحة نسبة الرسالة إلى مؤلفها، أو أن النسخة الخطية لم تصرح بذلك أو غيرها من الأمور، وهذا الأمر لم يفعله أصحاب «التنبيه»؟! فَهُم اعترفوا أنه ليس عندهم دليل واحد في صحة نِسبة هذا الكتاب إلى شيخ الإسلام سوى قرائن لا نُسَلِّم لهم في شيء منها، وهل يجوز أن ننسب كتاباً في مجلدين لمؤلفٍ مَا ظَناً!!.
أمَّا قرائنهم فإليكَ عرضها ونقضها:
لا يوجد على النسخة الخطيّة أي دليل في نسبتها لابن تيمية حتى في العنوان، وقد ذكر المحققان أن الرسالة نُسِبَت لابن عقيل خطأً - وهو كما قالا - لكن المؤلف غير معروف، واسْتَخْلَصَا مِن كَوْنِ الكتاب يُناقش! كتاب النسفي المتوفى سنة (687) وتاريخ النسخ سنة (759) فلا بُدّ أن المؤلف بين هاتين الفترتين! (30) وكأنه لا يوجد في تلك الفترة إلاَّ ابن تيمية! ثم قال المحقق: «وبعدَ عُكُوفِنَا على النُّسْخَة! والقراءة المتأنية فيها وجدنا قرائن!! تشير إلى أن المؤلف هو شيخ الإسلام، ثمَّ توصلنا إلى القطع بذلك بعدما وجدنا نصوصاً مقتبسةً منه في إعلام الموقعين لابن القيّم!!
أمَّا القرائن فكانت عديدة:
منها: أنَّ المترجمين لشيخ الإسلام ذكروا له كتاباً في الجدل بعنوان: «تنبيه الرجل العاقل على تمويه الجدل الباطل» والكتاب الذي بينَ أيدينا نقدٌ لأصحاب الجدل الباطل وبيانٌ لتمويهاتهم، ولا نَعرف أحداً غيرهُ ألَّفَ على هذا النحو في الرد على الجدليين المتأخرين» (1/ 27).
والجواب عن هذه القرينة من وجوه:
أولها: أنهما لم يُحِيلاَ إلى هذه الانتقادات أو بيان هذه التمويهات في هذا الكتاب.
ثانيها: كونهما لم يَعْلَمَا أحداً انتقد أصحاب الجدل الباطل لا يلزم منه أن ينسِباه إلى ابن تيمية وإِلاَّ لأتى كلُّ أَحَدٍ بكتابٍ لا يَعْرِفُ مُؤَلِّفه تكلم مؤلفه على أهل البدع أو الجهمية أو الجدل أو إثبات الصفات وقال: لا أعلم أحداً تكلم في هذا الأمر غير ابن تيمية وهكذا!!
ثالثها: عدم العلم لا يلزم منه العدم.
رابعها: لم يذكر المحققان أين وكيف بحثا فيمن ردَّ أَوْ أَلَّف في الجدل ونَقْضِهِ في تلك الفترة حتى يستنتجا مَا تَقَدَّم حتى تكون الدراسة علميّة موثقة لا أن يُرْسَل الكلام هكذا.
ثم قالا في القرينة الثانية (1/ 27): «ومنها: أن شيخ الإسلام كان في هذه الفترة التي حدّدناها، أي بعد وفاة النسفي ... ولا نعرف أحداً غيره برز في هذه الفترة للرد على الجدلييين» اهـ.
الجواب: ألا ترى معي- أيها القارئ الكريم -– أنَّ هذه القرينةَ جزءٌ لا يتجزأُ مِن القرينةِ التي سَبَقَتْهَا؟!
القرينة الثالثة والرابعة (1/ 28): «ومنها: أن الكتاب ذكر تمويه الجدليين والجدل المُمَوّه وأصحاب الجدل المموهين ومشتقاته بكثرة. وإذا قرأنا مقدمة الكتاب التي اقتبسها ابن عبد الهادي في العقود عرفنا أن المقصود الأصلي من الكتاب نقد جدل المموهين وبيان تمويهاتهم.
ومنها: أن هذه المقدمة المقتبسة فيها أنَّ المؤلف يأخذ في تمييز حقه من باطله وحاليه من عاطله بكلام مختصر، والنسخة كلها تحوي نقد كتاب النسفي وتميّز حقه من باطله ... ».
الجواب: لم يحيلوا إلى المواضع التي ذكر فيها المؤلف الجدال المموّه وأصحابه «بكثرة»!
ثانياً: على فَرَضِ ذِكْرِ كِتَابٍ مَا للجِدَالِ وأهلِهِ بِكَثْرَةٍ ولم نَعْرِف مؤلفه هل ننسبه لابن تيمية؟!
ثالثاً: قولهم ابن تيمية قال في خطبة الكتاب «أنه يأخذ في تمييز حقه من باطله .. والنسخة كلها تحتوي نقد كتاب النسفي .. » نقول: إن شيخ الإسلام قال إنه سيُميّز الحق من الباطل في الجَدَل لا كتاب النسفي فما دخل هذا بهذا؟!!
القرينة الخامسة والأخيرة! (1/ 28) قال: «أنَّ في الكتاب موضوعات وأبحاثاً اشتهر شيخ الإسلام بالحديث عنها، منها كلام الإمام أحمد: «ينبغي للمتكلم في .. » إلخ
وتكلّم على موضوع النهي عن التشبه بالأعاجم والكفار (ص 268 - 271) وقد فصَّل فيه الكلام .. في كتابه «الاقتضاء .. ».
وتكلم في موضوع التنافي (ص 219 وما بعدها) (31)، ونحوه في «الرد على المنطقيين» (205 - 206).
¥