تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإنَّها لسعَادَةٌ غامِرةٌ أن وكَّل إليّ مجلسُ المجمع الموقَّر شَرفَ استقبال فارس من نمط فريد، تعتزّ قبيلة الشيوخ بانضمامه إلى حوزتها، وتزهو برشده وحصافته وبُعدِ نظره، في كيفيات الصولان والجولان في ميدانهم الذي يعِزّ على الكثيرين انتِسابُهم إليه أو الاقترابُ منه.

ذلكم الفارس أيها السادة، هو الأستاذ الدكتور عبده الراجحي. إنه فارس ذو رياستين حظيتا بتاجين مختلفين طلاء، مؤتلفين بناء، فكان التكامل في الطبع والصُّنع، تكاملَ الإنسان على الوجهِ الذي أراده الله للأناسيّ الذين مازهم منهم، وفضلهم على سائر مخلوقاته.

أما الرياسة الأولى فقد خُلِعَ عليه تاجُها من الريف المصري العظيم. نشأ الراجحي وتربّى على "مصطبة" القرية، حيث يجلس العُمَدُ وحواريّوهم. وما أدراك من هم العُمَدُ في أيَّام الزمان الجميل الذي فاز صاحبنا بالعيش فيه لسنوات معدودات. جالسَ زميلُنا المحتفى به هؤلاء الأماجدَ ذوي الحُنكَةِ والدُّرْبَةِ، مستمعًا في البدء لما يقولون، مشاركًا بعدُ في الحوار، وإن على استحياء، حتى صلُبَ عوده واستقام بنيانه، وتفتَّحَ ذهنه ونما فكره، مزوّدًا بقيم الريف المصري الأصيل ومبادئه التي تصنع الرجال من أمثال "عريسِنا" الراجحي، الذي أبى إلا أن تكون قرينتُه هي مصر، حيث البذلُ والعطاء والنعمة والرخاء. فليقدِّمْ لها ولشبابها حقَّ الوفاء وما يسطيعه من جهد وعطاء.

وكان ما كان، انصرف الصبي إلى كتّاب القرية، شأنه في ذلك شأنُ السلالةِ الطيبة من أبناء ذوي الحصافة والرُّشد من فلاحي مصر، في تربية الأجيال. حفظ القرآن الكريم، وألمَّ بشيء من قواعد الحساب ورسوم الكتابة وضوابِط الإملاء، فتفتَّح ذهنه، وأخذ يفعّل طاقاتِه وإمكاناته في استقبال المعارف والتوليد منها، وإن بالتدريج، حتى رشحه هذا النهجُ الواعي من الاستقبال والإرسال للانخراط في ميدانٍ من المعرفة أوسعَ وأرحب، وأكثر تنوعًا.

التحق بالتعليم العام وقضّى فيه سنواتِه المقررةَ المرسومة، دون انقطاع أو ملل أو تكاسل، حتى نال الثانوية العامة بكفاية الشباب وعزم فِتيان الرجال. وكان للكتّاب أثرُه البالغ في هذا النجاح وذاك التوفيق، إذ إن "قرآنه" بإحكامِ آَيِهِ، وعمق فكره، وإجادة قراءته، وتجويد أدائه - كل ذلك قد منح الفتى الرجلَ حكمة التفكير، وحسنَ التدبير، والإفصاحَ عن كل ذلك بلسان عربي مبين، أغراه، بل دفع به دفعًا إلى حيث "العوربة"، انتماءً وفكرًا. ونموذجُها الصحيح الموثوق به، هو قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية.

انتقل صاحبنا "الراجحي" إلى الإسكندرية، مطبوعًا على "الانتماء" الذي شرب من أفاويقه على مصطبة القرية وصُبَّ في عقله صبًّا وملأ وجدانه، وأفصح عن نفسه سلوكًا وتصرفًا في دنيا الله.

وفي "عروس" البحر المتوسط، وجد العريس طِلبته، وفاز بحورته، فحلا له المُقام، الرائق المنعش، حتى يستطيع التوليدَ من فكره الخِصب، وينصرفَ في أناة وحكمة إلى رعاية ما يولّد وينتج، والدفعِ بكل ذلك إلى الميادين العربية، فارسًا من فرسانها المجلّين.

بدأ شوطَ الرياسة الثانية بآلياتها، وفعّلها على خير وجه، حتى تشقَّ له الطريقَ الصحيح وتكفلَ له إكمال المسيرة بنجاح وتوفيق، إلى أن حاز تاج التفرّد والامتياز في ميدان العلم والمعرفة بعامة، وفي ميدان الدرس اللغوي وما لفّه من ثقافات متنوعات على وجه الخصوص.

حصل على درجة الليسانس في الآداب من جامعة الإسكندرية سنة 1959م ثم عيّن معيدًا بقسم اللغة العربية بكلية الآداب سنة 1961م، وخطا بعدُ خطواتٍ واثقةً في الدرس والتحصيل حتى نال درجَتي الماجستير والدكتوراه من هذه الجامعة، وتمّ له حصدُ هذه الدرجات العلمية جميعًا سنة 1967م.

وفي هذا العام نفسه عمل مدرسًا بقسم اللغة العربية. وتدرج الرجل في سلم الصعود العلمي الأكاديمي إلى أستاذ مساعد فأستاذ سنة 1977م.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير