تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[و لا نصف كلمة]

ـ[فرحان بن سميح العنزي]ــــــــ[07 - 05 - 08, 11:28 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جميل أن يغار الإنسان، فالغيرة من الصفات المحمودة عند جميع العقلاء ... والله سبحانه وتعالى يغار وغيرته أن يأتي المرء ما حرم الله كما ثبت في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم.

والغضب أحيانا محمدة خاصة إذا كان في جانب الله وكان المغضوب عليه حقيق بذلك ... جاء عن الإمام أحمد: من أغضب ثم أغضب ثم أغضب فلم يغضب فهو حمار.

وما أعظم أن تكون الغيرة والغضب لله ... وقد كان صلى الله عليه وسلم إذا انتهكت محارم الله لم يقم لغضبه أحد. ومع هذا فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يخرج في غضبه عن حدود الشرع.

وإذا لم يخرج الإنسان في غضبه وغيرته عن حدود الشرع كان لكلامه وفعله أثر بالغ.

ما أكثر ما يجد الإنسان من المخالفين له- على اختلاف مشاربهم- ما يحفظه (أي يغضبه).

سأتكلم عن نوع واحد من المخالفين وكيف يجب أن يكون التعامل معهم في كلمات يسيرة ..... أسأل الله أن ينفع بها.

فأولا- لا بد أن يصحب جدال هؤلاء المخالفين الإخلاص لله سبحانه وتعالى لا حب الشهرة والتزيد والفضفضة.

ثانيا- لا بد أن يصحب هذا الجدل الرحمة بالمخالف فنحن أهل السنة- ولله الحمد- (نعرف الحق ونرحم الخلق) .... فإن نظرنا إلى مخالفنا-بالدين- بعين القدر رحمناه وحمدنا الله على نعمة العافية والهداية، وإن نظرنا إليه بعين الشرع مقتناه وعمله.

ثالثا- لا بد أن يفهم المجادل أن (لكل قوم وارث) وإنما اختلف الأسلوب فحسب. فكلام أهل الباطل الذين تصدى لهم السلف الصالح في القرون الأولى هو عين كلام أهل الباطل في هذا الزمان وإنما اختلف اللباس فقط. فلينظر المجادل إلى طريقة رد السلف عليهم وينطلق منها ولا يخرج عنها وبذلك ينجح بإذن الله. وكثير من أهل الحق يؤتى من جهله بالأصول التي ينطلق من المخالف. وهذا يوفر عليك الوقت والجهد فإن الأول لم يترك للآخر شيئا ... ولكن-مع هذا- لا بد من العناية بالأسلوب ليصل إلى المخالف بالطريقة الصحيحة.

رابعا- المجادلة إنما تكون مع تبينت إرادته للحق فحسب، أما ما سواه فإن مجادلته مرض وخطر على دين الإنسان .... ومن العجب الذي لا ينقضي في هذا المجال أن هناك أناس عرفوا بمكابرتهم وعدائهم للحق بأعيانهم ومع ذلك تجد كثيرا من المخلصين يضيع وقته وجهده في مجادلته. وهذا خطر من وجهين:

الأول- خطر على هذا المعاند حيث يزداد في عناده ويقول في نفسه: لو لم أكن على حق لما استرسل معي في الجدال ثم يأخذ الشيطان في تزيين الباطل له، وهذا ما لا يريده الشرع.

الثاني- خطر على صاحب الحق فإن كثرة الجدل تفقد الدين هيبته وتجريء الناس عليه. وكان من عادة السلف الصالح المطردة العظيمة التي أخل بها الخلف فوقعوا في الفخ، كان من عادتهم، الهروب من مجادلة أهل الباطل الذين لا يريدون الحق. وكم من إنسان دخل في الجدل واثقا من نفسه معتدا بما عنده فلم يرجع ..... نسأل الله العافية والسلامة.

وسأنقل لكم- إن شاء الله- نفائس من كلام السلف في هذا الباب.

خامسا- لا بد أن نعرف أن الانسحاب في مثل هذه المواضع هو الذكاء والفطنة ولا نهتم بمن يتهم المنسحب بالفشل وعدم تقبل الرأي الآخر ونحو هذه التهم التي تطرق آذننا كثيرا، فإن نجاة الإنسان بدينه وسلامته بالحق الذي معه لا يعدلها شيء.

جاء في كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد رحمهما الله ما نصه:

قال رجل للحكم بن عتيبة: ما حمل أهل الأهواء على هذا؟ قال: «الخصومات»، وقال معاوية بن قرة وكان أبوه ممن أتى النبي صلى الله عليه وسلم: «إياكم وهذه الخصومات فإنها تحبط الأعمال»، وقال أبو قلابة وكان أدرك غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجالسوا أصحاب الأهواء»، أو قال «أصحاب الخصومات؛ فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم بعض ما تعرفون»، ودخل رجلان من أصحاب الأهواء على محمد بن سيرين فقالا: يا أبا بكر نحدثك بحديث قال: لا، قالا: فنقرأ عليك آية من كتاب الله عز وجل، قال: «لا، لتقومان عني أو لأقومن»، قال: فقام الرجلان فخرجا، فقال بعض القوم: يا أبا بكر ما كان عليك أن يقرأ آية من كتاب الله عز وجل، فقال محمد بن سيرين: «إني خشيت أن يقرأا آية علي فيحرفانها فيقر ذلك في قلبي»، فقال محمد: «لو أعلم أني أكون مثل الساعة لتركتهما»، وقال رجل من أهل البدع لأيوب السختياني: يا أبا بكر أسألك عن كلمة فولى وهو يقول بيده «لا ولا نصف كلمة»، وقال ابن طاوس لابن له وتكلم رجل من أهل البدع: «يا بني أدخل أصبعيك في أذنيك حتى لا تسمع ما يقول»، ثم قال: «اشدد اشدد»، وقال عمر بن عبد العزيز: «من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل»، وقال إبراهيم النخعي: «إن القوم لم يدخر عنهم شيء خبئ لكم لفضل عندكم»، وكان الحسن البصري يقول: «شر داء خالط قلبا يعني الهوى».

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه والباطل باطلا ورازقنا اجتنابه.

والسلام

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير