الحثِّ على الازدياد من العلم
ـ[ريم صباح]ــــــــ[05 - 06 - 08, 01:11 ص]ـ
في نزول أوَّل آيةٍ في القرآن، وهي قوله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) [العلق/ 1] من الدَّلالات والمعاني ما لا يمكن حصرُه، ويُفهم من قوله: (اقْرَأْ) وهو فعل أمر من (قَرَأ) الأمر الجازم الحازم بالقراءة، والحث على تعلمها وتعليمها، وفي هذه اللفتة غَناء عن كلام كثير في هذا الموضوع.
* أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالزيادة من العلم:
ثم جاءَ الأمرُ القرآني الآخر، لتأكيد القضيّة وانلحث على طلب المزيد من العلم، فقال الله -تعالى -: (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه/ 114].
قال ابن القيم - رحمه الله -: ((وكفى بهذا شرفًا للعلم، أن أمرَ نبيَّه أن يسأله المزيدَ منه)) اهـ.
وقال ابن كثير في ((تفسيره)): ((أي: زدني منك علمًا، قال ابنُ عُيينة - رحمه الله -: ولم يزل صلى الله عليه وسلم في زيادة حتَّى توفَّاه الله - عز وجل -)) اهـ.
وقد قيل: ما أمرَ اللهُ رسولَه بطلبِ الزيادة في شيءٍ إلا في العلم.
* خبر نبيِّ الله موسى عليه الصلاة والسلام في طلب الزيادة منه:
والعالم كلما ازداد علمًا .. ازداد معرفة بفضل العلم ومنزلته ومكانته، وبمقدار ما فاته منه ويفوت = فتاقَت نفسُه - حينئذٍ - إلى المزيد منه، ولو لقي في ذلك الألاقي.
ففي خبر كليم الله موسى عليه الصلاة والسلام الذي قصَّه القرآن الكريم في سورة الكهف الآيات (60 - 82)، وذكره النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه كما في الصحيحين، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بينما موسى في ملأٍ من بني إسرائيل إذ جاءه رجل فقال: هل تعلم أحدًا أعلمَ منك؟ قال موسى: لا. فأوحى الله إلى موسى: بلى، عَبْدنا خَضِر، فسألَ موسى السَّبيلَ إليه .. )) الحديث.
قال أبو العبَّاس القرطبي: ((وفيه من الفقه: رِحْلة العالِمِ في طلب الازدياد من العلم، والاستعانة على ذلك بالخادم والصاحِب، واغتنام لقاء الفُضَلاء والعلماء، وإن بَعُدت أقطارُهم، وذلك كان دأب السَّلف الصالح، وبسبب ذلك وصلَ المرتحلون إلى الحظ الراجح، وحصلوا على السَّعي الناحج، فَرَسخت في العلوم لهم أقدامٌ، وصحَّ لهم من الذِّكر والأجر أفضلُ الأقسام)) اهـ.
قال الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري)): ((وموسى - عليه الصلاة والسلام - لم يمنعه بلوغه من السِّيادة المحلّ الأعلى من طلب العلم وركوب البحر لأجله. .. و [فيه -أي الحديث-]: ركوب البحر في طلب العلم، بل في طلب الاستكثار منه)) اهـ.
وذكر الماوردي عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: لو كان أحدٌ يكتفي من العلم لاكتفى منه موسى -على نبينا وعليه السلام- لمَّا قال: (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) [الكهف/ 66].
أقول: فهذه حال الأنبياء، والعلماءُ ورثتهم، ولم يَرِثوا منهم إلا العلم، فطلبوه وحصَّلوه وتعبوا في سبيله، فأخذوا بحظ وافرٍ.
* شيءٌ من حال الصحابة في الازدياد منه:
لقد لحظَ الصحابةُ -رضي الله عنهم- ماكان عليه قدوتهم صلى الله عليه وسلم من حِرْصٍ على العلم، فاقتفوا أثره، وضربوا أمثلة نادرة في الحرص عليه والتفاني من أجله.
فهذا عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - كان إذا تلى قولَه تعالى: (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) قال: ((اللهم زِدْني عِلْمًا وإيمانًا ويقينًا)).
وقد بلغ - رضي الله عنه - من شِدَّة اجتهاده وطلبه أن قال: ((والله الذي لا إله غيره، ما أُنزلت سورةٌ من كتاب الله إلا أنا أعلم أين نزلت، ولا أنزلت آيةٌ من كتاب الله إلا أنا أعلم فيمن أُنزلت، ولو أعلم أحدًا أعلمَ مني بكتاب الله تبلُغُه الإبل لركبتُ إليه)).
وهذا أبو هريرة - رضي الله عنه - حافظ الصحابة يصفه صلى الله عليه وسلم بالحرص على العلم، فقد عَقَد البخاريُّ في ((صحيحه)): (بابٌ الحرصُ على الحديث) وذكر فيه حديثَ أبي هريرة - رضي الله عنه - وسؤاله النبي صلى الله عليه وسلم عن أسْعد الناس بشفاعته؟ وقوله له: ((لقد ظننتُ يا أبا هريرةَ أن لا يسألني عن هذا الحديثِ أحدٌ أوَّلَ منكَ، لِمَا رأيتُ من حِرْصِكَ على الحديثِ ... )).
¥