[ثاني الوصايا: معرفة فضل طلب العلم و تحصيله]
ـ[وليد دويدار]ــــــــ[19 - 06 - 08, 10:19 ص]ـ
فضل العلم
الحمد لله، و الصلاة و السلام على رسول الله، و على آله و صحبه و من والاه، أما بعد:
فإن خير ما فكرت فيه العقول الذكية، و أنفس ما شُغلت به الأنفس النقية؛ طلب العلم و الاشتغال به، لكثرة فوائده، ووفرة فضائله، ومن ذلك استشهاد الله عز و جلَّ بأهله على أعظم مشهود به وهو التوحيد فقال في كتابه: ((شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)).
في هذه الآية دليل على فضل العلم وشرف العلماء وفضلهم، فإنه لو كان أحد أشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته كما قرن اسم العلماء، وقال في شرف العلم لنبيه صلى الله عليه و سلم: ((وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا))، فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه و سلم أن يسأله المزيد منه كما أمر أن يستزيده من العلم.
و قد روي عن قيس بن كثير قال: قدم رجل من المدينة على أبي الدرداء رضي الله عنه وهو بدمشق، فقال: ما أقدمك يا أخي؟ فقال: حديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم. قال: أما جئت لحاجة؟ قال: لا. قال: أما قدمت لتجارة؟ قال: لا. قال: ما جئت إلا في طلب هذا الحديث. قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله علسه و سلم يقول: ((من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر)).
ولو لم يكن من فائدة العلم و الاشتغال به إلا أنه يقطع المشتغل به عن الوساوس المضنية، و مطارح الآمال التي لا تفيد غير الهم، و كفاية الأفكار المؤلمة للنفس، لكان ذلك أعظم داع إليه.
و العلم يرتقي بصاحبه في الدنيا و الآخرة، يقول الله تبارك و تعالى: ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ))، قال الشافعي: " من تعلم القرآن عظمت قيمته، و من تكلم في الفقه نما قدره، و من كتب الحديث قويت حجته، و من نظر في اللغة رق طبعه، و من نظر في الحساب جزُل رأيه، و من لم يَصُن نفسه لم ينفعه علمه "، و عن أبي العالية قال: كنت آتي ابن عباس، و هو على سريره، و حوله قريش فيأخذ بيدي، فيجلسني معه على السرير، فتغامزني قريش، ففطن لهم ابن عباس، فقال: " كذلك هذا العلم، يزيد الشريف شرفا، و يجلس المملوك على الأسرّة ". و قد أحسن من قال:
رأيت رفيع الناس من كان عالماً ... و إن لم يكن في قومه بنجيب
إذا حلّ أرضاً عاش فيها بعلمه ... و ما عالم في بلدة بغريب
و قال أبو الأسود الدؤلي: " ليس شيء أعز من العلم، الملوك حكام على الناس، و العلماء حكام على الملوك "، و قال وهب: " يتشعب من العلم الشرف و إن كان صاحبه دنيّا، و العز و إن كان مهينا، و القرب و إن كان قصيّا، و الغنى و إن كان فقيرا، و المهابة و إن كان وضيعا "، و قد صح عن ربيعة أنه قال: " العلم وسيلة إلى كل فضيلة "
و قد قال الله تعالى: ((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ))، وقال علي بن أبي طالب: " كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من لا يحسنه، و يفرح به إذا نُسب إليه، و كفى بالجهل ذمّاً أن يتبرأ منه من هو فيه)).
و لو لم يكن من فضل الْعِلْم إلا أن الجهّال يهابونك ويجلونك، وأن العلماء يحبونك ويكرمونك؛ لكان ذلك سبباً إلى وجوب طلبه فكيف بسائر فضائله في الدنيا والآخرة؟! ولو لم يكن من نقص الجهل إلا أن صاحبه يحسد العلماء ويغبط نظراءه من الجهّال لكان ذلك سبباً إلى وجوب الفرار عنه، فكيف بسائر رذائله في الدنيا والآخرة؟!
و من طلب الفضائل لم يساير إلا أهلها، و لم يرافق في تلك الطريق إلا أكرم صديق من أهل المواساة و البر و الصدق و كرم العشيرة و الصبر و الوفاء و الأمانة و الحلم و صفاء الضمائر و صحة المودة، و منفعة العلم في استعمال الفضائل عظيمة، و هو أنه يعلم حسن الفضائل فيأتيها و لو في النُدرة، و يعلم قبح الرذائل فيتجنبها و لو في الندرة.، و الله تعالى يقول: ((إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)) و في الحديث المتفق عليه من حديث معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم يقول: ((مَن يُرِدِ الله بهِ خيرا يُفَقِّههُ في الدِّين)).