[الخلطة والعزلة .. وكيف يستفاد منهما لتزكية النفس وتقوية الإيمان؟]
ـ[مجرد إنسانة]ــــــــ[07 - 06 - 08, 09:43 م]ـ
[الخلطة والعزلة .. وكيف يستفاد منهما لتزكية النفس وتقوية الإيمان؟]
د. معاذ حوا
النفس تميل إلى مخالطة الناس وتأنس بأحاديثهم، ولما كانت مجالس الناس منها ما هو نافع ومنها ما هو غير نافع ومنها ما هو ضار؛ فلا بد لطالب التزكية وزيادة الإيمان أن يحرص على الخلطة والمجالسة التي تنفعه، ويتجنب الخلطة والمجالسة التي تضره وتؤخره عن الخير، فتكون الخلطة لمقصد صحيح والعزلة لمقصد صحيح، وفيما يأتي بيان الضوابط الشرعية في هذه المسألة:
- الأصل في حياة المسلم أنه لا بد أن يكون فيها الخلطة والاجتماع والتعاون، لإقامة الخير، قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} وقال: {وكونوا مع الصادقين}، وقال صلى الله عليه وسلم: «المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم» (1)، فالوضع الطبيعي أن يكون المسلم اجتماعياً مخالطاً لا منعزلاً.
ولكن هذا لا يعني أن يجعل كل وقته مع الناس، بل لا بد للمؤمن أن يجعل في كل يوم وقتاً يختلي فيه بربه، قال صلى الله عليه وسلم ذاكراً من السبعة الذين يظلهم الله في ظله: «ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه» (2) فحثنا في هذا على الخَلوة في ذكر الله، والنبي صلى الله عليه وسلم كان له وقت وافر يخلو فيه مع ربه قال تعالى: {وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولاً ميسوراً}، وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خلوته السنوية باعتكافه العشرَ الأواخر من رمضان، حيث كان يصلي مع الناس ولا يكاد يكلمهم ولا ينشغل بهم عن اعتكافه (3)، ولقد أمر الله نبيه بالانقطاع إلى الله في قوله: {وتبتل إليه تبتيلاً} أي انقطع إليه انقطاعاً، وإذا كان الانقطاع يمكن أن يكون انقطاعاً قلبياً دون الانقطاع الجسدي، فإن المبتدئ في طريق التزكية لا يستطيع أن ينقطع بقلبه عن الناس إلا مع الانقطاع الجسدي، فلزمه أن يعطي ذلك شيئاً كثيراً من وقته، فإنه ينتفع بذلك كثيراً.
وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فائدة عظمى بخلوته في غار حراء، وقد استمر على ذلك حيناً بعد بعثته، ولا شك أن المبتدئ يحتاج إلى مثل هذه الخلوات، وينتفع منها كثيراً، إذا أخذ بالاعتبار الضوابط الشرعية المتعلقة بذلك والتي سنذكرها.
- ومهما أراد الإنسان أن يعتزل الناس فإنه لا يستطيع العزلة الكلية، فحاجته إلى غيره تدفعه إلى الخلطة ولو قليلاً، فالله تعالى قد أَحْوَجَ الناسَ إلى بعضهم وسَخَّرهم لخدمة بعضهم، قال تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف: 32].
ولا تجوز العزلة التامة الكاملة، لما فيها من تضييع الحقوق، كحقوق الإنفاق على الأهل والقرابة، ولما فيها من فوات بعض الواجبات والسنن، كصلة الرحم وعون المسلمين وحضور صلوات الجماعة.
- والواجب الشرعي أن نعيش وفق أمر الله، فحيثما كان أمر الشرع يقتضي الخلطة فهي الأفضل، وحيثما كان أمر الشرع يقتضي العزلة فهي الأفضل، وبذلك تكون الخلطةُ والعزلةُ تؤديان مقصداً شرعياً صحيحاً، وأثراً طيباً في تزكية النفس.
- قال صلى الله عليه وسلم: «المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم»، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم صورتين في هذا الحديث، وفضل الصورة التي فيها خلطة على الأخرى، مما يدل على أن الأصل في حياة المسلم أن يخالط، وأن يكون على حال يستطيع معه الصبرَ على أذاهم، فلا بد أن يُرَقِّي الإنسان نفسه حتى يكون قادراً على الاختلاط بالناس مع التحمل وعدم التأثر.
والأذى المقصود في الحديث لا يختص بالأذى النفسي والجسدي الذي يقع على الإنسان في دنياه، وإنما يدخل فيه الأذى الديني، أي إضرارُهم بحالة الإنسان الدينية، وفتنته عن دينه أو عن طاعته، وقد أشارت نصوص أخرى إلى هذا المعنى بأن الإنسان يفر من الخلق فراراً بدينه من الفتنة.
¥