تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[ثالث الوصايا: علو الهمة في طلب العلم و تحصيله]

ـ[وليد دويدار]ــــــــ[19 - 06 - 08, 10:40 ص]ـ

علو الهمة في تحصيل العلم

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على خاتم الأنبياء و المرسلين، و على آله و صحبه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فإن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه و لا يشركوا به شيئاً، فتنافس في ذلك المتنافسون، و اجتهد فيه المجتهدون، و الله تعالى يقول: ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)) [العنكبوت/69]، و أحق الناس بالاجتهاد في طلب الأخرى و الزهد في الدنيا؛ هم طلبة العلم.

والعلم والعمل توأمان، أمّهما علو الهمة، قال الله تعالى: ((وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)) [آل عمران/133]، و قال سبحانه: ((سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)) [الحديد/21]، وقال عز و جل: ((وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)) [الواقعة/10، 11]، قال الإمام السعدي – رحمه الله تعالى -: أي: السابقون في الدنيا إلى الخيرات، هم السابقون في الآخرة لدخول الجنات. أولئك الذين هذا وصفهم، المقربون عند الله، في جنات النعيم، في أعلى عليين، في المنازل العاليات، التي لا منزلة فوقها.

و صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال: ((إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها))] السلسلة الصحيحة: 1627 [، يقول ابن القيم – رحمه الله تعالى -: وعلو الهمة أن لا تقف – أي: النفس - دون الله، ولا تتعوض عنه بشيء سواه، ولا ترضى بغيره بدلا منه، ولا تبيع حظها من الله وقربه والأنس به والفرح والسرور والابتهاج به بشيء من الحظوظ الخسيسة الفانية، فالهمة العالية على الهمم كالطائر العالي على الطيور لا يرضى بمساقطهم، ولا تصل إليه الآفات التي تصل إليهم)) [مدارج السالكين]، و من علامة كمال العقل علو الهمة! والراضي بالدون دنيء!!.

و لقد ضرب لنا أسلافنا أروع الأمثلة في علو همتهم في طلبهم العلم، فهذا معاذ بن جبل رضي الله عنه أسلم و هو ابن ثماني عشرة سنة، و توفي و هو ابن ثمان و عشرين سنة، أسلم عشر سنوات فقط، و يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم عنه: ((إن العلماء إذا حضروا ربهم عز و جل، كان معاذ بين أيديهم رتوة – أي: رمية – بحجر)) [السلسلة الصحيحة: 1091]، و هذا عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما -، حبر الأمة، و ترجمان القرآن يقول: لما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم، قلت لرجل من الأنصار: يا فلان هلمَّ فلنسأل أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم، فإنهم اليوم كثير. فقال: واعجباً لك يا بن عباس، أترى الناس يحتاجون إليك وفي الناس من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم من ترى؟! فتركت ذلك وأقبلت على المسألة فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه وهو قائل، فأتوسد ردائي على بابه، فتسفي الريح على وجهي التراب، فيخرج فيراني فيقول: يا بن عم رسول الله ما جاء بك ألا أرسلت إليّ فآتيك. فأقول: أنا أحق أن آتيك. فأسأله عن الحديث، قال: فبقي الرجل حتى رآني وقد اجتمع الناس عليّ، فقال: كان هذا الفتى أعقل مني.

شعار طالب العلم، قول الله تعالى: ((وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)) [المطففين/26]، فالعاقل صابر للشدائد لعلمه بقرب الفرج، والجاهل على الضد من ذلك.

و إذا كانت النفوس كبارا * * * تعبت في مرادها الأجسام

و عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، هذا الكُنيِّف – الوعاء – الذي مُلئ علماً، يقول: والذي لا إله غيره لقد قرأت مِن فِيِّ رسول الله صلى الله عليه و سلم بضعا وسبعين سورة، ولو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني تبلِّغَنيه الإبل لأتيته. صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ قال: والذي نفسي بيده لهما – أي: ساقيه - أثقل في الميزان من أُحُد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير