تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[سليمان أبو ستة]ــــــــ[09 - 10 - 2009, 05:09 م]ـ

حين نصل إلى حديث الدكتور يوسف بكار عن الإشعاع الفارسي يتملكنا العجب من جدوى هذا الحديث، واقترانه بالحديث عن الإشعاعين السنسكريتي واليوناني. فبالإضافة إلى وجود العديد من الكلمات ذات الأصل الفارسي في لغة الشعر والقرآن نتيجة للتبعية السياسية لعرب الحيرة وارتباطهم بدولة الفرس قبل الإسلام، لقد امتزج الشعبان في أمة واحدة بعد الإسلام وبتنا نرى جلة العلماء والكتاب يؤلفون كتبهم وأشعارهم بكلا اللغتين العربية والفارسية كابن سينا وعمر الخيام مثلا. ناهيك عما يحتوي عليه المعجم الفارسي من كلمات عربية تنطق كما ينطقها العرب أو على الأقل خلافا لما يجري عليه نسق أصواتهم اللغوية في الأصل.

لذلك فإن الحديث عن أن العرب أخذوا بحر المتقارب عن الفرس في الجاهلية، والزعم بأنهم أخذوا بحر الدوبيت عنهم في الإسلام يعتبر قليل الشأن في تعويض السيدين ذبيح الله مصطفى وخانلري عن النقص الذي يحسان به تجاه العرب في عصرهم الراهن الذي لا يشرفهم الشعور بالانتماء إلى ثقافته. والأول منهم يقول: "إن الشعر الفارسي الدريّ لم ينظم تقليدا للأوزان العربية، وليس هناك شبه قاطع بين الأوزان العربية والفارسية إلا في الموارد التي أخذ فيها شعراء العربية الأوزان الفارسية من قبيل بحر المتقارب المحذوف والمقصور، أو بحر الهزج المسدس المحذوف والمقصور، ووزن (ترانه) "الرباعي"؛ أو الموارد التي قلد فيها الفرس عددا من الأوزان الخاصة بالعربية وأدخلوها عن طريق الصنعة في الشعر الفارسي". ويقول الثاني: "اعتقد العلماء دائما أن أوزان الشعر الفارسي مستقاة من العربية، غير أن ما يجب معرفته أن ثمة فرقا بين القواعد والمصطلحات والأصول والمباني. صحيح، إن العربية والفارسية تشتركان في أسماء البحور، بيد أنهما تختلفان – في الأغلب- في تراكيب الأوزان ونمط استخدامها. فبعض البحور المتداولة في الشعر العربي لم تستعمل في الفارسية، أما البحور المشتركة، فلكل منها نمطه الخاص به في لغته؛ ناهيك بما يظن من أصول إيرانية لبعض البحور العربية كالمتقارب المثمن المقصور والمحذوف الذي اختص بالمنظومات الحماسية".

وإذن فنحن لنا الحق بأن نحتج بأن "الفرق بين القواعد المصطلحات والأصول والمياني " بين اللغتين العربية والفارسية يبيح لنا أن ننكر أعجمية الكلمات الفارسية التي دخلت العربية وانصهرت ضمن قواعدها الخاصة بها، وأن نرفض الزعم بفارسية بحر "الدوبيت" على الرغم مما يشي يه هذا الاسم الذي لا يستخدمه الفرس لبحر الترانة أو الرباعي من أثر سطحي.

ـ[سليمان أبو ستة]ــــــــ[09 - 10 - 2009, 05:11 م]ـ

الإشعاع اليوناني:

في هذا المبحث يبدو لنا الدكتور بكار منحازا إلى تغليب الرأي القائل بعدم تأثير هذا الإشعاع على العربية انحيازه الذي بدا لنا في عرضه لأثر كل من السنسكريتية والفارسية. فهو يرى أنه: " أقل الإشعاعات الثلاثة ضياء، لأن نصيب الاستشفاف والاستدلال فيه قليل، وحظه من أصالة الظن أقل". وهو ينقل عن الزبيدي في طبقات النحويين واللغويين أن "ملك اليونانية كتب إلى الخليل بن أحمد كتابا باليونانية، فخلا بالكتاب شهرا حتى فهمه. فقيل له في ذلك، فقال: قلت إنه لا بد يفتح الكتاب ببسم الله أو ما أشبهه، فبنيت أول حروفه على ذلك، فاقتاس لي. فكان هذا الأصل الذي عمل له الخليل كتاب (المعمّى) ". وبعد أن يصف هذه الرواية بأنها "غريبة عجيبة" يرى أنها نسجت بوحي من زعم يونس النحوي "أن الخليل كان يستدل بالعربية على سائر اللغات ذكاء منه وفطنة".

وكذلك يبطل قول ابن أبي أصيبعة عن سليمان بن حسان من أن حنين بن إسحاق، الذي كان أعلم أهل زمانه باليونانية والسريانية والفارسية "نهض من بغداد إلى أرض فارسن وكان الخليل بن أحمد النحوي بأرض فارس، فلزمه حنين حتى برع في لسان العرب، وأدخل كتاب العين بغداد" بأن هذا كله وهم باطل، لأن وفاة الخليل لا تتعدى عام 175 هـ في حين أن حنينا ولد بعد عام 194 هـ، فهما إذن لم يلتقيا ولم يتعاصرا.

ثم يعرج على رواية الباقلاني (ت 403 هـ) عن غلام ثعلب عن ثعلب نفسه "أن العرب تعلم أولادها قول الشعر بوضع غير معقول، يوضع على بعض أوزان الشعر كأنه على وزن:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

ويسمون ذلك الوضع (الميتر) واشتقاقه من المتر، وهو الجذب أو القطع. يقال: مترت الحبل أي قطعته أو جذبته. ولم يذكر هذه الحكاية عنهم غيره، فيحتمل ما قاله".

ويقول: "على الرغم من أن لمصطلح (الميتر) معنى عربيا كما في النص، وفي لسان العرب أيضا، وأن له ما يشبهه عند الهنود (ماتْرَ Matra ) ... فقد أجتُهد في رده إلى السنسكريتية أو اليونانية أو السومرية والبابلية، وزُعمت احتمالات التأثير وفقا لذلك".

وكلمة (الميتر) التي نقلها بكار عن إعجاز القرآن من تحقيق السيد أحمد صقر يبدو لي أن بها تصحيفا؛ فقد وردت في نشرة المطبعة السلفية عام 1349 هـ بلفظ (المتير)، وعلق الناشر على هذه الرواية بقوله:" لم أعثر بعد على هذه القصة عن أبي عمر الزاهد (غلام ثعلب) ولا عن غيره. ولست أعرف هذه الكلمة (المتير) وليست مثبتة في كتب اللغة لا بهذا المعنى ولا بغيره. وقوله إن اشتقاقها من المتر يدل بعض الشيء على أنها على وزن (فعيل) بمعنى مفعول أي ممتور أي مقطّع".

وأخيرا، يذكر بكار أن "شوقي ضيف يذهب بثقة وحماسة، دون أي دليل، أن الخليل قرأ ما ترجمه غير ابن المقفع من علم الإيقاع الموسيقي عند اليونان، وحذق هذا العلم حذقا جعله يؤلف فيه كتابا كان الأصل الذي اعتمد عليه إسحاق الموصلي في تأليفه كتابه الذي صنعه في النغم واللحون".

أما الذين ينكرون هذا الإشعاع اليوناني، فيذكر بكار منهم بطرس البستاني ومحمد مندور ومهدي المخزومي، وهو ما يؤكد لنا تمسكه بعدم الاعتراف بأي أثر لليونان في العربية خلافا لما لمسناه من عرضه للإشعاعين السنسكريتي والفارسي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير