وأما حروف القافية فمتعددة بتعدد حركاتها وسكناتها. ولكي نتبينها بشكل أكثر تفصيلا؛ وددت لو تابعت تأملك معي في هذه الأبيات الشعرية المقطعة كأخواتها تقطيعا عروضيا تكون لنا منطلقا لتوصيف حقيقة الحروف.
قال المتنبي محمِّسا:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم === وتأتي على قدر الكرام المكارم
على قدر أهل لعزم تأت لعزائمو === وتأتي على قدر لكرام لمكارمو
\\0\ 0\\0\ 0\0\\0\ 0\\0\\0 \\0\ 0\\0\ 0\0\\0\ 0\\0\\0
و قال جميل بثينة يوم عشقه:
أظل نهاري مستَهاما ويلتقي === مع الليل روحي في المنام وروحها
أظللُ نهاري مُستهامَنْ ويلتقي === مَعَلليل روحي فلمنام وروحها
\\0\\\0\ 0\0\\0\ 0\\0\\0 \\0\ 0\\0\ 0\0\\0\\\0\\0
فإذا كانت القافية قد تحددت بالنسبة للمثال الأول في المقطع الصوتي ""كارمو=\0\\0"" من كلمة"المكارم"، فإنها في المثال الثاني قد تشكلت في الصيغة المقطعية""روحها = \0\\0"" وهي تزيد عن الكلمة بالشيء اليسير. وعلى هذه الأساس إن تفحَّصت الحروف التي ولدت بها القافية، ستجد أنها حروف لا تتشاكل في تسمية أو هيأة واحدة، على اعتبار أن كل صوت فيها له مهمة معينة ووظيفة خاصة وتسمية توائم وظيفته ومهمته.
فبدءا من آخر ساكن من ""كارمو=\0\\0"" إلى أول ساكن قبله توجد أربعة حروف وهي: الواو والميم والراء والألف.
وعلى اعتبار أن "الميم" هو آخر حرف صحيح في البيت وبالعودة إلى القصيدة الأصل نجد أن هذا الحرف هو الذي يتكرر في آخر أبياتها، ومن ثَم سميناه أو نسميه حرف "الروي". أما "الواو" فهو بمثابة صائت طويل متولد عن إشباع حركة الروي، وهو الذي يسمى بحرف "الوصل". بينما "الألف" فصائت يوجد بينه وبين حرف الروي حرف أو صامت صحيح. ومتى كان الأمر كذلك؛ سمي بحرف "التأسيس" لأن القافية تتأسس عليه. في حين يمثل حرف "الراء" الحرفَ الصحيحَ الذي يتموقع بين الروي وألف التأسيس. فكان بموقعه هذا حرفا "دخيلا".
وإن انتقلت معي إلى البيت الثاني؛ ستجد أن ساكني القافية وما بينهما من حركات في كلمة "روحها" يشكلون مجتمعين أربعة أصوات أو حروف. فإذا كانت "الحاء " هي الروي في البيت والقصيدة، فإن "الهاء" هنا تسمى "بهاء الوصل" أو "هاء الضمير" التي لا تصلح لأن تكون رويا. بينما "الألف" في القافية ذاتها، باعتباره حرف مد أو لين تولد من إشباع حركة هاء الوصل، فإنه يسمى بـ"الخروج". أما "الردف" فيمثل آخر حرف من حروف القافية ويحققه في القافية المثال؛ حرف "الواو" بحكم أنه حرف مد وقع قبل الروي مباشرة.
رابعا: أقسام القافية
وتنقسم القافية إلى عدة أقسام، استنادا إلى جملة من الموجهات والمعايير:
1 - بالنظر إلى عدد الحروف الواقعة بين ساكني القافية:
إذ قمت بتعداد الأصوات الواقعة بين ساكني القافية فسوف تجدها تترواح بين الصفر والأربعة ولا تكاد تتجاوز ذلك. فقافية أرجوزة العجاج – مثلا- التي يقول فيها:
قد جبر الدّينَ الإلهُ فجبَرْ
\0\\\0\ 0\0\\0\\\\0
هي المقطع الصوتي "لاه فجبر = \0\\\\0" معناه، أن عدد الأصوات المتحركة بين ساكنَيْها يصل إلى أربعة وهو أقصى ما يمكن أن تصل إليه حروف القافية المتحركة. وبحكم كثرتها وتراكمها وتكاوسها فإنها تسمى بالاسم ذاته أي بالقافية "المتكاوسة".
وإذا عدت إلى قافية بيت الشاعر أبي نواس الذي سلف، وعددت الحروف الواقعة بين ساكني قافيته"" لا طللُ = لا طللُو = \0\\\0""؛ ألفيتها ثلاث حركات متراكبة. ولهذا التراكب سميت بالقافية "المتراكبة".
لكن عددها سوف يقل في قافية بيت ابن زيدون ""جمّرُ = جمْمَرُو = \0\\0"" ليصل إلى حركتين فقط حتى كاد الساكن الأول يدرك الساكن الثاني في القافية. وبهذه الصورة تسمى القافية بـ"المتداركة".
وحين يصل العدد إلى حركة واحدة كما هو الحال في قافية بيت عبد العزيز الفشتالي أعلاه، ""قرطا = قُرْطَنْ = \0\ 0"" تسمى القافية آنذاك بالقافية"المتواترة".
أما قافية بيت من قال:
يا صاح قد أخلفت أسماء ما == كانت تمنّيك من طول الوصالْ
\0\ 0\\0\ 0\0\\0\ 0\\0\ 0\0\\0\\\0\ 0\0\\00
المتمثلة في المقطع "صال = \00"، فإن عدد الحروف بين الساكنين هو صفر. معنى ذلك أن الساكنين مترادفان. لهذا تسمى القافية هنا بـ"المترادفة".
¥