وعلى الله التّكلان ومنه العون والتّوفيق وهو حسبي.
المدينة المنوّرة
15/ 9/1422هـ.
التّمهيد: تعريف الجنّ وحقيقة وجودهم
أوّلاً: تعريف الجنّ لغةّ واصطلاحاً:
الجنّ في اللّغة كلمة تدلّ على جنس خلاف الإنس، وأحدها جنّيٌّ على النّسب، واشتقاقها من قولهم: جَنَّ فلانٌ الشّيءَ يجنّه جنّاً؛ أي: سَتَرَهُ وأخفاه. وسمّي الجنّ بذلك لاستتارهم عن أعين الإنس. وكلّ مستجنّ فهو جنّ أوجانّ، كالشّياطين والمردة والعفاريت والغيلان والسّعالي.
وللجنّ في الاصطلاح تعريفات مختلفة، من أجمعها وأدقّها تعريف السّيد سابق – رحمه اللّه – وهو قوله: ((الجنّ: نوع من الأرواح العاقلة المريدة على نحو ما عليه الإنسان، ولكنّهم مجرّدون عن المادّة البشريّة، مستترون عن الحواسّ، لا يرون على طبيعتهم، ولا بصورتهم الحقيقيّة، ولهم قدرة على التّشكّل)).
وهم أنواع، ولهم مراتب، وأوصاف، وأسماء متعددة، ومواضع، وأصوات، سيأتي ذكرها ـ إن شاء اللّه ـ في الفصل الأوّل من هذه الدّراسة.
ثانياً: حقيقة وجود الجنّ:
أقرّ العرب وسائر الأمم القديمة بوجود مخلوقات لا تُرى على خلقتها الأصليّة، منها الجنّ، وأجمع أهل العلم من الثّقات منذ الصّدر الأوّل للإسلام على الإيمان بوجود عالم الجنّ والشّياطين مستقلاً عن عالم الإنس. ولم ينكر وجودهم سوى طائفة من الفلاسفة وأصحاب بعض الفرق من المعتزلة والجهميّة وغيرهم، وأفراد من الجهّال.
وليس لمسلم عاقل يؤمن بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم أن يشك في وجود الجنّ للدّلالة القطعيّة من القرآن والسّنّة وإجماع أهل السّنّة والجماعة على إثبات خلقهم ووجودهم.
وأبرز الأدلّة على ذلك ما يلي:
أ- دلالة القرآن الكريم:
الآيات القرآنيّة الدّالة على الجنّ والشّياطين كثيرة، ومنها قوله تعالى:
1 - وَمَا خَلَقْتُ الجِنّ والإنسَ إلاّ لِيَعْبُدُون.
2 - قُلْ أُوْحِيَ إليّ أنّه اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنّ فَقَالُوا إِنا سَمِعْنَا قُرْآنا عَجَباً.
3 - وإذ صَرَفْنَا إِليكَ نَفَراً مِنَ الجِنّ يَسْتَمِعُون القرآن.
4 - وأنّه كانَ رِجَالٌ مِنَ الإنسِ يَعُوذُون بِرِجَالٍ مِنَ الجنّ فَزَادُوهُم رَهَقا
5ـ والجانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ من نارِ السَّمُوم.
6 - فَسَجَدُوا إلاّ إبليسَ كانَ مِنَ الجنّ فَفَسَقَ عنْ أَمْرِ رَبّهِ.
7 - قَالَ عِفْرِيتٌ منَ الجنّ أنا آتيكَ به قَبْلَ أن تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ.
8 - ولَقَدْ عَلِمْتِ الجنَّةُ إِنَّهُم لَمُحْضَرُونَ.
9 - أولئك الّذين حَقّ عليهم القَوْلُ في أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الجنّ والإنس.
10 - يا مَعْشَرَ الجنِّ والإنس إن اسْتَطَعْتُم أن تَنْفُذُوا من أَقْطَارِ السّمواتِ والأَرْضِ فانفُذُوا لا تنفُذُونَ إلاّ بسُلْطَان.
ووجه الاستدلال من هذه الآيات الكريمة، أن الجنّ خلق ثابت من خلق الله، وأنّهم موجودون في ملكوت الله، بدليل إشارة الخلق والجانّ خلقناه، والخطاب: يا معشر الجنّ، وكذلك حكاية الحال والتكلّم: قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الجِنِّ ...
ب- دلالة السّنة المطهّرة:
وهي ما جاء في الأحاديث الصّحيحة مما يُثْبِتُ وجود الجنّ، ومنها:
1 - روى مسلم في صحيحه عن عائشة ـ رضي اللّه عنها ـ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ((خُلقت الملائكة من نور، وخُلق الجانّ من مارج من نار، وخُلق آدم مما وُصِفَ لكم)).
2 - روى البخاري في صحيحه عن ابن عبّاس ـ رضي اللّه عنهما ـ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((أعوذ بعزّتك الّذي لا إله إلاّ أنت، الّذي لا يموت، والجنّ والإنس يموتون)).
3 - روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال: قال لي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: ((إنّي أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك وباديتك فأذنت بالصّلاة فارفع صوتك بالنّداء، فإنّه لا يسمع مدى صوت المؤذن جنّ ولا إنس إلاّ شهد له يوم القيامة)).
¥