تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد ربط الشاعر في هذا البيت بين الحالين برباط التشبيه، ثم تفنن في الأسلوب باستخدام نظرية: "الجمع بين الضدين"؛ فعلى الرغم من أن تلك الخدود يسقيها ملث الدموع؛ إلا أنها قد شحبت وتغيرت نضارتها، وذهب رونقها وماؤها؛ حتى غدت سواء بسواء كالربوع الممحلة.

وقد أحسن الشاعر حين وسع من دائرة إمحال الديار؛ التي قد تكون إمحالا على جهة الحقيقة بالجدب والقحط، أو إمحالا مجازيا؛ بخلوها من السكان. على أن المترحلين عن الديار إنما يرحلون بسبب الجدب وقلة الخصب.

ـ في قوله: " أودى معالمها " توسّع ٌ أسلوبي، يمكن حمله على تضمين معنى " أودى" اللازم معنى " أذهبَ " المتعدي. والأصل فيه: "أودى بمعالمها " من طريق لزوم الفعل.

أسلو!؟ وكيف لي السلوُّ ولي بهم

رأيٌ يُشَلّ وذاكرٌ يتبتل

في: " أسلو " بطريق الاستفهام: لبسٌ بين الخبر والإنشاء. والصحيح فيه: " أأسلو "، ولستُ أعلم ذلك من ضرورات الشعر. والله أعلم!

ـ في: " كيف لي السلو! " استفهام جميل أفاد معنى الإنكار على نفسه أن يحصل منه سلو؛ وهذا غاية الحب والشوق. وقد علله بشغل قلبه بهم وذهاب رأيه فيهم.

على أن الشاعر ـ في نظري القاصر ـ لم يوفق في استعمال لفظة " يُشَل "؛ وإنما يُعرف من ذهاب الرأي أنه يعزب أو يذهل ونحو ذلك.

وقد يشفع للشاعر أن يقال إنه إنما قصد إلى الاستعارة، وأن في " يشل " وجها من وجوه المشابهة مع " يعزب " و " يذهل "؛ كعدم السيطرة، وعدم القدرة على اتخاذ القرار ونحو ذلك مما يمكن أن يتلقي عنده الطرفان.

وفيه نظر؛ لأن الاستعارة لا تصلح في كل شيء، ثم إن للذوق حكمه؛ فليس كل ما صح تجويزه لغة صح إنفاذه ذوقا. والله أعلم!

ولَهم بأحشائي نجيُّ صبابةٍ

عنها جهارً مقلتيَّ تولول

الله يا وطنَ الأحبةِ إنني

لطليقِ فكري في ذراكَ مكبل

وأراكَ مغنى ما أزجُّ من الثنا

نظما وإيماءً عليك أدلل

ولأنتَ عينُ معين كل رويةٍ

بدموع ناظمها طِلا تتكحل

يشعر القارئ أن أسلوب الشاعر بدأ يضعف عما كان عليه من قوة؛ ومن مظاهر ذلك الضعف في الأبيات السابقة:

ـ قلق بعض الألفاظ في مواقعها؛ وكأنها أكرهت عليها؛ نحوا من:

"تولول" ـ " أزج" ـ "طلا" ...

ـ قلق بعض القوافي في مواضعها؛ وعدم خدمتها للمعنى؛ نحوا من:

"أدلل" ـ "تتكحل".

على أن هذه المشكلة إنما تواجه كل من تصدى لمقام محاكاة شعر العرب؛ ولذلك أسباب وحلول قد تذكر ضمنا في نهاية مقالنا هذا.

لم أقتبِس من قاع قلبي جذوة

إلا وأنت بها الشهاب الأجدل

بيت قمة في الروعة، لم يلحقه ضعف الأبيات قبله وبعده؛ وكأني به قد نظم أولا مع الصفوة. ومن مظاهر جماله الأخاذ:

ـ حسن الاقتباس من معين لفظ القرآن وأسلوبه في قوله: " أقتبس جذوة "

ـ حسن الاستعارة في: " الشهاب الأجدل "؛ لم يكتفِ أن جعل جمرة جذوة الشوق كالشهاب احمرارا وانخطافا حتى قرنه بالبازي انقضاضا وانعطافا. وهذا من محاسن البديع المعدودة، ويسميه البلاغيون: " الإيغال " ـ من أنواع الإطناب المحمودة ـ، ويأتي عادة في قافية البيت، كـ " الأجدل " في بيتنا هذا.

بقي في البيت نظرة يسيرة؛ وذلك في:" قاع قلبي ": ما وجه تخصيص قاع القلب عن غيره من المواضع؟

فإن قيل: لتحقيق شدة الحرارة. كان الجواب: فلو جعل في الطرف أو الجنب؛ لكان ذلك أدعى إلى تحقيق شدة التوهج والاتقاد؛ فإنه إن كان ذلك حاله في الطرف فكيف إذا يكون في القعر.

فلم يبق جوابٌ للشاعر إلا أن يقول: إنما أردت أن أضع هذا المحبوب (الوطن) في حبة سويداء القلب وفي وسطه؛ بحيث تشتعل هناك نار الشوق وتستعر استعارا!

كلا ولن أبدي لغيرك همتي

ما دمتَ أنتَ من الهموم الأطول

ومنَ الهوى دار يحل بها الفتى

في الحلِّ والترحال لا تتبدل

وطنٌ وحيث أحب فهو من الهوى

قتلي وحيث أشوق فهو المقتل

وطن مرابعه مواطن ناظري

وكذا منازله لقلبي منزل

ههنا عاد الضعف إلى القصيدة مرة أخرى؛ ولعل السبب ـ ولا يخلو منه منا أحد ـ عائد إلى نفاد ذخيرة الشاعر من الألفاظ والتراكيب والصور التي تتناسب مع ما كان بدأه الشاعر من فخامة متناهية وجزالة ظاهرة.

وفي هذا المقام يُنصح شاعرنا ـ وكلنا حقيقٌ بهذا النصح ـ بمداومة القراءة الجادة والنهل من معين شعر العرب الذي لا ينضب، وألا يتكئ كثيرا على الصنعة الشعرية وبخاصة أنه ما زال في البدايات، وأن يسلم نفسه للطبع؛ فلا يقول حتى تمتلئ نفسه ثم تجيش بالشعر. فإن كان ولا بدّ قائلا؛ فليقف حيث تقف به مطية تجربته، وينزل حيث يلحقها الكلال والإعياء. والله المستعان.

هذا ما لدي أخي الحبيب رسالة،،،

وتقبل حالص ودي،،،

أخوك المخلص / أبو يحيى

والسلام عليكم ورحمة الله.

ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[28 - 07 - 2008, 09:42 ص]ـ

بارك الله لك شاعريتك القوية والتي تزداد قوة مع الأيام أخي الرسالة.

اك تحيتي،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير